الأطعمة الفاسدة.. موت بطىء على موائد الفقراء

تمتلئ الأسواق الشعبية بأطعمة من (بواقى المصانع) ومنتجات معاد تدويرها وسلع مجهولة المصدر، وتباع بأسعار زهيدة، ويقبل على شرائها الكثيرون ويتداولها الباعة فى الشوارع الخلفية بعيدا عن أعين الرقابة.

أجولة من الشيكولاتة والحلوى والكعك والبسكويت (كسر المصانع) وجبن ومعلبات وتوابل سودانية يغطيها الغُبار وزيوت طعام وسلع غذائية وسلع تموينية مهربة ومنظفات غير صالحة للاستعمال وثمار معطوبة، تضج بها الأسواق فى الخفاء، لا يعلم أحد مصدرها، وتباع بأسعار رخيصة جدا.

أدى غياب الرقابة والارتفاع الجنونى فى أسعار الأطعمة إلى سقوط البسطاء ومحدودى الدخل فريسة سهلة لأباطرة السوق السوداء، الذين يستغلون احتياج الناس إلى طعام رخيص فراحوا يبيعون لهم أطعمة فاسدة.

الملف التالى يرصد التفاصيل الكاملة لبيع سلع غذائية مجهولة المصدر وقاتلة فى أغلب الأسواق الشعبية.

 

 

تنتشر فى الأسواق الشعبية.. ومصيرها الإعدام أو معدة المصريين

تنتشر فى الأسواق الشعبية مشاهد متكررة.. فى سوق الجمعة بإمبابة، ومثيله من الأسواق الشعبية فى كل محافظات مصر، تجد (الحلوى الكسر) المعروضة فى أوانٍ على قارعة الطريق و(الشكولاتة الكسر) و(بواقى الكعك والبسكوت والملبن)، ودائما ما يكون أسعارها أقل بكثير من مثيلاتها فى السوبر ماركت ومحلات بيع الأغذية، ولهذا يقبل عليها ملايين المصريين.

بدورها، تواصلت «الوفد» مع إدارة الرقابة والتوزيع بوزارة التموين وشعبة السكر والحلويات باتحاد الصناعات وشعبة البقالة والمواد الغذائية، لمعرفة كيف تصل الأطعمة الفاسدة إلى متناول أيدى المواطنين فى الأسواق العامة.

قال أحمد أبو الفضل، مدير عام الرقابة والتوزيع بوزارة التموين، إن المنتجات والسلع غير الآدمية ومجهولة المصدر ومنتهية الصلاحية التى يتم ضبطها فى الأسواق بواسطة حملات التفتيش، يتم تحويلها إلى مكتب وكيل النائب العام، وقد يأمر بسحب عينات وتحليلها، وفى حال كان هناك محضر مرفق مع تقرير مفتش الأغذية التابع لوزارة الصحة، يؤكد أنها غير صالحة يأخذ بالتقرير ويتم إعدامها على الفور.

وأضاف مدير عام الرقابة والتوزيع بوزارة التموين، أن الأغذية الفاسدة فى الأسواق الشعبية تدخل عن طريق مصادر متعددة إلى الأسواق، منها: أصحاب المحلات يكون لديهم (بضائع بائرة) ليس عليها طلب وتركت حتى انتهت صلاحيتها، ومع ذلك يعرضها التاجر للبيع حتى لا يخسر فيها، ويقبل عليها الناس دون البحث عن تاريخ الصلاحية، وقد تكون طرق التخزين والعرض خاطئة، فتسبب فساد السلعة رغم أن تاريخ الصلاحية المدون عليها لم يأت بعد، فى أغلب المناطق يعرض المنتجات (الشيبسى والمقرمشات) خلال فصل الصيف أمام المحلات تحت أشعة الشمس، ويتفاعل المنتج مع العبوة،وتحت تأثير الحرارة تصبح ضارة.

وأكد «أبو الفضل» أن هناك مصانع تقوم بعملية إعادة تدوير وتعبئة مواد غذائية قد تكون مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية بشكل عام أو متغير فى بعض خواصها، لافتا إلى أن هذه المصانع لا تمثل 2% فى سوق مفتوح أمام آلاف الشركات، قوته الشرائية تتجاوز 120 مليون شخص.

وقال: «فى بعض الحملات التى تنفذها وزارة التموين يتم ضبط منتجات إعادة تدوير بالفعل فى المخازن أو الشركات، ويتم التحفظ عليها وعمل محضر وعرضه على النائب العام، الذى يأمر بإعدامها على الفور».

وأوضح أن الإجراءات التى يتم اتخاذها حيال أى تاجر يتم ضبط منتجات منتهية الصلاحية أو إعادة تدوير لديه، قائلا: يتم عمل محضر وتحويله إلى المحاكمة، وفرض غرامات وعقوبات وقد تصل إلى الحبس وفقا لرؤية النائب العام، ويكون إعدام المنتجات الفاسدة فورى، قبل البت القانونى فى القضية، ويتم إعدامها بواسطة محرر المحضر والتاجر أو صاحب المصنع أو الشركة، وعليه أن يُعد كمائن لإعدام المنتجات والبضائع الفاسدة على نفقته، وكل ذلك يكون فى وجود الحملة من جميع الجهات المعنية مع تصوير فيديوهات وإرسالها للوزارة، مشددا على أن أى تواطؤ من أحد جهات الحملة مع التجار يعرضه لعقوبات تصل إلى الإعدام.

من جانبه، قال حسن الفندى، رئيس لجنة الصناعات الغذائية بجمعية مستثمرى العاشر من رمضان، وعضو شعبة السكر باتحاد الصناعات المصرية، إن بيع حلوى كسر المصانع من الشكولاتة وأنواع من الحلوى «الرديئة» والملبن والكعك والبسكويت فى الأسواق، يمثل خطورة كبيرة على الصحة العامة للمجتمع، خاصة الأطفال، لأنها غير آمنة.

وشدد عضو شعبة السكر باتحاد الصناعات المصرية، على ضرورة تبنى الجهات المعنية حملات توعية مكبرة على نطاق محافظات الجمهورية، حول خطورة شراء وتناول بواقى المصانع ومنتجات إعادة التدوير فى الأسواق الشعبية وغيرها، وناشد المواطنين بالبُعد عن المنتجات مجهولة المصدر ومنتهية الصلاحية فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.

وقال «الفندى» إن معظم المصانع يكون لديها ما يسمى بـ(دورة الاسترجاع أو المرتجعات) ينتج عنها (منتجات كسر) تصل إلى نسبتها لـ3%، ومن المفترض أن تدخل فى عملية إعادة تدوير وتصنع من جديد فى صورة آمنة على الصحة العامة، وإن ثبت فسادها أو تغيير فى خواصها تدخل فى تصنيع الأعلاف، ولكن خروجها من المصانع وتداولها فى الأسواق بين المستهلكين (جريمة).

وأضاف: «يجب على الجهات الرقابية تكثيف الحملات على الأسواق العامة، خاصة الشعبية، مع ضرورة تواجد رقابى مستمر لمتابعة المنتجات ومدة الصلاحية ومدى التزامها بالتعبئة الصحية والسليمة، ومنع بيع كسر المصانع ومنتجات إعادة التدوير، ومع فرض البيع بالفاتورة باعتباره أمرا حتميا للسيطرة على تلك الظاهرة، ومحاربة الباعة الجائلين فى الأسواق وتتبعهم لمعرفة من أين يجلبون تلك المنتجات الرديئة التى تهدد الصحة العامة للمواطنين، وملاحقة أصحاب الشركات والمصانع من معدومى الضمير الذين ينتجون مثل هذه السلع الرديئة والخطرة على صحة المصريين».

وأشار إلى أن أغلب الباعة الجائلين أماكنهم غير ثابتة فى الأسواق، ويتنقلون من منطقة إلى أخرى، وهو أمر يصعب تتبعه، ولكن من الضرورى على الجهات الرقابية شن حملات منتظمة وبشكل دورى على الأسواق فى آن واحد.

من جانبه دعا حازم المنوفى، رئيس شعبة البقالة والمواد الغذائية باتحاد الصناعات، الجهات الرقابية، متمثلة فى: جهاز حماية المستهلك وسلامة الغذاء ووزارة التموين، إلى تنظيم حملات تفتيشية لملاحقة من يُتاجرون بأقوات الناس مستغلين الأزمة الاقتصادية التى تمر بها أغلب الأسر المصرية حاليا، نتيجة ارتفاع أسعار أغلب المواد الغذائية والمنتجات الأساسية وتضارب أسعارها فى مناطق كثيرة، نتيجة غياب الرقابة الصارمة على الأسواق.

وقال رئيس شعبة البقالة والمواد الغذائية باتحاد الصناعات، إن المواد الغذائية منتهية الصلاحية وفوائض المصانع تصل إلى الأسواق عن طريق تُجار السوق السوداء الذين يبحثون عن المكسب السريع فى أوقات الأزمات، ولا يهمهم الصحة العامة للمواطنين، وستجد من بينهم تجارا أفرزتهم الأزمة الاقتصادية ولم يكن ذلك مجالهم ولا تجارتهم ولكنهم انضموا إليها نتيجة طلب المواطنين على تلك المنتجات دون وعى بمدى خطورتها.

وأكد «المنوفى» أن الأجهزة الرقابية، فى حال ضبط أى مواد غذائية مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية، تأخذ الإجراءات القانونية على الفور، ولكن الأمر يحتاج إلى تكثيف وتفعيل حقيقى لدور الرقابة للحد من ظاهرة الأطعمة الفاسدة فى الأسواق.

 

 

 

خبراء: رخص سعرها والأزمة الاقتصادية وراء الإقبال على شرائها

لماذا يقبل البعض على شراء الأغذية الفاسدة؟.. سؤال لا بد أن يقفز إلى عقل كل من يبحث فى ملف الأغذية فى مصر.

قال الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادى، إن إقبال البعض على شراء الأطعمة الفاسدة، يرجع إلى عدة أسباب فى مقدمتها الأوضاع الاقتصادية.. وقال: هناك تُجار يبيعون بواقى المصانع وهو أمر معروف وليس بجديد، والناس مضطرون لشراء ما يتناسب مع دخولهم من تلك الأسواق، ولا غريب أن هناك مصريين يأكلون أرجل الدواجن وبواقى اللحوم ومنتجات غذائية مجهولة المصدر فهذا كله بسبب الظروف الإقتصادية للأسر الفقيرة.

وأضاف «بدرة»: بعض الناس يهمها فى المقام الأول السعر، فرخص سعر السلعة كفيل بأن يدفع الكثيرين لشرائها بغض النظر عن جودتها أو قيمتها الغذائية.

وأشار «بدرة» إلى أن بعض الدول تخصص أماكن لتوزيع الوجبات الغذائية مجانا على الفقراء وتسمى بـ(التكية أو السبيل) مثل التكية المصرية القديمة، مؤكدا أن الدولة عملت بنك الطعام المصرى، ليتولى إطعام مجموعة من الناس طول العام، ولكن فى غياب الدعاية والإعلان، كثير من المستحقين لا تصل إليهم حقوقهم الآدمية، بسبب قلت ميزانية الدعاية رغم تبرع المثقفين والاقتصاديين ورجال الأعمال وأهل الخير لتلك الجهات.

ونادى «بدرة» بضرورة الالتزام بـ(التكافل المجتمعى).. وقال «على كل فرد من الأغنياء فى المجتمع أن يسهم فى تكافل أسرة فقيرة بأى مساعدة، كما يجب التوسع فى التوعية المجتمعية التى تزيد من منهجية تحسين مصادر الغذاء لبعض الأسر، عبر عدة إرشادات، منها: توعية المجتمع حول التكافل المجتمعى دينيا وأخلاقيا وسلوكيا».

وأوضح «بدرة» أنّ الملاءة المالية للحكومة ضعيفة والتكافل المجتمعى يحل جزء من الأزمة، ولكن يجب عدم ترك الظاهرة تتعمق وتصبح وباء، مع ضرورة تغيير الثقافة المجتمعية والفكر تجاه الآخر، وتغيير الخطاب الدينى بما يحفظ كرامة وآدمية الإنسان وتطبيق ما جاء فى القرآن والسنة النبوية بشأن الإطعام.

من جهته، قال الدكتور خالد الشافعى، مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، إن إقبال المواطنين على شراء منتجات إعادة التدوير بسبب ثمنها الزهيد والأزمة الاقتصادية، وقال: أغلب تلك المنتجات منتهية الصلاحية، وتباع لكا يطلق عليه «الشروة» حيث ليس هناك وزن ولا تعبئة».

 

الفشل الكلوى والكبدى والأورام.. أبرز الأمراض

كشفت إدارة الرقابة على الغذاء بوزارة الصحة المصرية، إجراءات الرقابة على الأسواق، وكيفية التعامل مع المواد الغذائية مجهولة المصدر ومنتهية الصلاحية فى حال ضبطت كميات بأى منشأة.

وقال الدكتور أحمد رأفت حسين، أخصائى التغذية الصحية ومسئول الرقابة على الغذاء بوزارة الصحة المصرية، إن الأطعمة المكشوفة فى الأسواق تتحول بفعل تعرضها للشمس والغبار والحشرات إلى غذاء سام مسبب للأمراض.

وأشار «حسين» إلى أن الأطعمة السريعة والحلوى المعروضة على أرفف بعض المحلات وجوانب الشوارع فى الأسواق تحمل الكثير من الأمراض، وهناك مطاعم غير نظيفة وأغلب عربات الفول والكشرى والكبدة المتواجدة فى معظم الشوارع والميادين ملوثة الأطعمة‏، وأصبح من المعتاد للمواطن رؤية الباعة على الأرصفة يعرضون مختلف الأطعمة والمشروبات بين الأتربة والأدخنة مع انتشار الحشرات، محذرا من شراء وتناول هذه الأغذية المليئة بالملوثات التى تسبب أمراض خطيرة، منها: الفشل الكلوى والكبدى والأورام.

وأكد مسئول الرقابة على الغذاء بوزارة الصحة المصرية، أن 90% من الأطعمة فى الشوارع تسبب معظم الأمراض المزمنة، التى تظهر أعراضها بعد سنوات كثيرة من التعود على تناولها.. وقال: البكتيريا والفطريات وهى أخطر ملوثات الأطعمة بسبب سوء وطول فترة التخزين، بالإضافة إلى التلوث بالمواد السامة وبالتسمم الغذائى من الألوان والمواد الملونة والمنكهات ومكسبات الطعم، وأيضا تلوثها بالمعادن الثقيلة كالرصاص والكادميوم والزئبق والزنك والنحاس، والتى تصيب الخضر والفاكهة المزروعة على جوانب الترع والرى بمياه الصرف الصحى والصناعى والبحيرات والمصانع.

وأضاف «حسين» أنّه خلال حملات المرور على الأسواق يتم ضبط مواد غذائية منتهية الصلاحية فى مخازن المحلات وتكون غير معروضة للبيع، وبسؤال صاحب المنشأة يؤكد أنه يتم استبدالها من الشركة المنتجة، وفى أوقات كثيرة يتم إعدامها حال ثبوت تغيير فى الخواص الطبيعية والظاهرية للسلع.

وأشار إلى أنّ المرتجع من المنتجات والسلع الغذائية، تنطبق على ثلاثة حالات، وهما: عبوات بها انبعاث أو معيوبة أو أى عبوات سليمة أو مستلزمات إنتاج ثبت عدم جودتها فى السلعة أو عبوات غير مكتملة التعبئة، مؤكدا لا يوجد مادة غذائية تسمى (مرتجع) بعد انتهاء صلاحيتها يتم ضبطها وإعدامها.

وأوضح أنّ بعض معدومى الضمير يقومون بإعادة تعبئة المواد الغذائية منتهية الصلاحية من منتجات المرتجع، مع تحديث بيانات المنتجات وتاريخ الإنتاج، وضبطت حملة تفتيشية تضم ممثلين عن وزارتى الصحة والتموين وهيئة سلامة الغذاء وجهات أخرى، مصنع (صاحب علامة تجارية مميزة) بأبوالنمرس، يجمع كسر البسكويت ومرتجعات منتهية الصلاحية، ويدخلها فى عملية إعادة تدوير، لإضافته على العجين مع تحديث بيانات وتعبئة جديدة، مؤكدا أن الكارثة الحقيقية اعتماد الأمهات على هذا النوع من البسكويت فى تغذية الأطفال.

وأكد أن هناك تلاعبا وتحايلا على القانون، وفى حالة كانت الكمية المضبوطة خلال الحملات على الأسواق صغيرة يتم إعدامها فورا بتوقيع صاحب المحل وعلى نفقته، وفقا لما خوله القانون لمفتش الأغذية، وفى حال كانت الكميات كبيرة لا يجوز الإعدام يتم ضبطها وسحب ٥ عينات وتحرير محضر وعرضه على النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية تحت عبارة (مرتجع) على أن يبت القاضى الجزئى فى المحضر خلال 7 أيام، أو يصدر قرار من وكيل النائب العام باعدام الكميات المضبوطة وفقا لنتائج العينات.

وتابع أنه فى حالة كانت السلع والمنتجات منتهية الصلاحية يتم سحب عينات، ولكن معامل وزارة الصحة ترفض تحليل العينات وتعتبرها منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستخدام الآدمى، وتقوم بتكليف مفتش تغذية لإعدامها مع إعطائه صورة معتمدة من إقرار الإعدام لتقديمها لمندوب التوزيع.

وأشار إلى أنه يتم التركيز فى حملات التفتيش على المستودعات والمحلات والهيبرات الكبيرة لأنها مصدر التوزيع، ولديها كميات كبيرة من المواد الغذائية، ولا نعفى المحلات الصغيرة من التفتيش، لافتا إلى أنه خلال حملات التفتيش وجدنا هيبرات كبيرة وأسماء متميزة تعتمد على شهرة العلامة التجارية لها وتبيع أغذية منتهية الصلاحية بالفعل.

من جانبه، قال الدكتور نبيل ياسين، رئيس قسم الرقابة الصحية على الأغذية بكلية الطب البيطرى، إن هناك علامات كثيرة يعرف منها الجمهور المنتجات الفاسدة، مثل المعلبات يحدث انتفاخا للعلبة وتخمر للمنتج يكون له رائحة، وأغلب الجبن ومنتجات الألبان المعروضة فى الأسواق الشعبية تكون ملوثة وفاسدة وكل الدلائل والسمات عليها تؤكد ذلك، ومع ذلك يُقبل المواطنون على شرائها خاصة فى القرى والمناطق الشعبية، ومع كثرة استخدامها ينتج عنها أمراض مزمنة، قد تصل إلى الأورام.

وأشار إلى أن مباحث التموين تنفذ حملات بالتعاون مع مفتشى وزارة الصحة، الذى بدوره يسحب عينات من الأسواق وتخضع للتحليل بمعامل وزارة الصحة، وفى حال كانت غير مطابقة يتم إعدام المنتجات وتشميع المحلات وإحالته للقضاء وفرض غرامة.

وأكد أن الجهات المعنية بالدولة تُكافح ظاهرة الباعة الجائلين الذين يفترشون الأسواق بالسلع والأطعمة مجهولة المصدر، وقد تكون منتهية الصلاحية، ومنها بواقى المصانع، وكسر الحلويات وتوابل وسلع غذائية مهربة وسلع إعادة التدوير، لافتا إلى أنه يفترض أن يتم إعادة تدوير بواقى المصانع من مختلف المنتجات وادخلها فى عملية تصنيع أعلاف الماشية، وإعادة تداولها فى الأسواق يمثل خطورة كبيرة على الصحة العامة للمجتمع.

 

 

ظاهرة قديمة.. والتوعية بخطورتها بداية المواجهة

وجود سلع مجهولة المصدر فى الأسواق ظاهرة ليست جديدة، فالظاهرة ليست وليدة اليوم، ولكنها موجودة منذ قديم الأزل فى كل أسواق العالم وليس فى مصر فقط.

وأكدت الدكتورة اعتماد عبدالحميد، أستاذ علم الاجتماع، أن ظاهرة الأطعمة الفاسدة فى الأسواق انتشرت بشكل واسع منذ القرار الأول لـ(تعويم الجنيه) وقالت: إقبال المواطنين على شراء تلك الأطعمة، سببه الظروف الاقتصادية التى ألقت بظلالها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المصرى ككل، وليس فئة محددة.

وأشارت إلى أن أسواق البالة ومنتجات إعادة التدوير تشهد انتشارا واسعا ورواجا كبيرا بين المواطنين، بسبب حالة الفقر، فيضطر معها المواطن أو سيدة البيت إلى شراء أطعمة تظهر عليها علامات ودلائل أنها فاسدة، أو ربما منتهية الصلاحية.

وأكدت أن أعداد اللاجئين الذين يعيشون فى مصر كبير ويتزايد يوما بعد يوم، أحدثت طفرة فى أسعار المنتجات الغذائية وسوق العقارات، بالإضافة إلى جنسيات أخرى فتحت أسواقا موازية لتجارة العملة والذهب، مع غياب الرقابة على الأسواق، وتلك العوامل تؤثر سلبا على الحياة اليومية للمواطن المصرى وهو من يتحمل الفاتورة.

وأوضحت أستاذ علم الاجتماع أن غياب الرقابة خلق سوق سوداء لمختلف المنتجات الغذائية والدوائية، لافتة إلى أن هناك سوقا للأدوية المغشوشة والمهربة ومنتهية الصلاحية بالتزامن مع النقص الشديد فى الأدوية بالأسواق.

وأضافت أنّ هناك مواقف لمستها فى الشارع المصرى خلال الفترة الأخيرة، قائلة: أثناء التسوق أو التجول فى أى منطقة يُصادفنى موظف أو سيدة محترمة أو رجل على المعاش ليسوا متسولين، يسألون الناس ثمن رغيف خبز أو ثمن علبة جبنة، فالأزمة الاقتصادية كشفت ستر فئات كثيرة من المجتمع المصرى جعلتهم فى حاجة وعوز، وبالتالى أصبح من السهل على المواطن تقبل فكرة تناول أى طعام حتى وإن كان ضارا.

الفقر المُر

من جانبه، أوضح الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، أنّ ظاهرة إقبال المصريين على شراء الأطعمة غير الصحية فى الأسواق، قائلا: الفقر دفع المصريين إلى تناول أى طعام، الإنسان يحتاج إلى سد جوعه، والأكل أساسى فى الحياة مثل الهواء والمياه والنوم، وفى ظل الأزمة الاقتصادية بعض الناس يفتقد الطعام، قد يتحمل الإنسان الآلام ونقص الدواء، ولكنه لا يتحمل الجوع.

وأشار إلى أن ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن والفاكهة والمنتجات الغذائية، أثر على المواطنين سلبا، فأصبحوا فى حاجة إلى الطعام، ومبررات المصريين «معدتنا تهضم الحجر».

وأوضح استشارى الطب النفسى، أن سد الجوع أو إشباع رغبة النفس فى تناول طعام ما، قد يكون غالى الثمن، فيضطر إلى شراء بواقى أو كسر من هذا الطعام، لتلبية احتياجات النفس من الأكل.

وأكد أن بعض الناس أصبحت تُقبل على الأطعمة الفاسدة وتأكل أى طعام دون أى عبء بالجانب الصحى لتلك الأطعمة، مثلا سندوتشات الحواوشى أو الكبدة والسجق وغيره ثمنها عشرة جنيهات، كيف يعقل أن تكون لحوما صحية فى حين أن سعر كيلو اللحم وصل لــ500 جنيه فى بعض المناطق، وأغلب الدوافع الآن فى الإقبال على شراء الأطعمة الفاسدة هى تأثيرات البُعد الاقتصادى على الحياة العامة للمواطنين.

وأشار «فرويز» إلى أن هناك طبقات من المجتمع المصرى سقطت تحت خط الفقر، فأصبح الموظفون يُعانون تماما مثل الفقراء، وذلك يفسر سقوط البُعد الاجتماعى أيضا، فتجد الموظف والعامل والفقير فى نفس طابور الأطعمة الفاسدة.

وأشار إلى أن الطبقة المتوسطة، التى تكون ركن الحماية الأساسية لأى مجتمع، اندثرت بفعل الأزمات والضغوط الاقتصادية المتتالية خلال الفترة الأخيرة، وتشمل تلك الطبقة فئات: المحامين والأطباء والمدرسين والصحفيين والعمال بفئاتهم المختلفة إلى أن نصل للفقراء، فهى سقطت فى البُعد الاقتصادى مع سقوط البُعد الاجتماعى أيضا.

وأضاف أن الأمر يتوقف على وعى المواطن، الذى يأكل لحوما غير آدمية وأطعمة فاسدة ويضر نفسه وأبناءه، ويكون هناك آليات لترشيد المصاريف فى البيوت المصرية فى الوقت الراهن، يمكن أن تكون التوعية عبر وسائل الإعلام من خلال تدشين برامج توعية لربات البيت فى كيفية إدارة شئون المنزل بميزانية بسيطة، وتفعيل دور الجهات الرقابية مع، والتعامل بصرامة مع الأسواق لحماية المواطن المضطر لشراء تلك الأصناف من الأطعمة، وحماية الصحة العامة للناس، التى قد تنذر بكارثة صحية حال استمرت تلك الظاهرة.

 

 

 

نقلاً عن جريدة الوفد