الرياص – اسماء السيد – إذا كان هناك شيء واحد يريد منظمو الألعاب الأولمبية أن تعرفه، فسيكون أن السياسة ليس لها مكان في حدثهم الدولي الأهم.
وهذا هو المبدأ الذي استحضرته اللجنة الأولمبية الدولية مع انطلاق دورة الألعاب الصيفية في باريس الجمعة في 26 تموز (يوليو) بإعلانها أن الرياضيين من روسيا وبيلاروسيا يمكنهم المنافسة، على الرغم من مشاركة بلديهما في غزو أوكرانيا.
كما كان المبدأ نفسه وراء قرار اللجنة بتجاهل دعوات منع إسرائيل من المشاركة بسبب الحرب في غزة.
88 رياضيا يضمهم الوفد الإسرائيلي الذي سيكون محاطا بتدابير أمنية مشددة، بينما تضم البعثة الأولمبية الفلسطينية أكثر من عشرين عضوا معظمهم يعيش في الخارج.
لكن يبدو أن فصل الألعاب الأولمبية عن السياسة سيمثل تحديا كبيرا أمام فرنسا هذا العام، وسط دعوات بمنع رفع العلم الإسرائيلي، وتأكيد الوفد الفلسطيني على أن مشاركته ستكون بمثابة “المنبر” للتنديد بالحرب، وحضور الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ لعرض للقوارب بنهر السين لإحياء ذكرى مقتل إسرائيليين في ميونيخ في عملية خطف رهائن من أعضاء البعثة الأولمبية على يد مجموعة فلسطينية، قُتل فيها 11 إسرائيليا من أعضاء البعثة عام 1972.
يتذكر الفلسطينيون أيضا ضحاياهم خلال الحرب التي اندلعت بعد هجوم غير مسبوق نفذته حماس في جنوب إسرائيل أدى إلى مقتل 1,200 شخص في السابع من أكتوبر /تشرين الأول، وبحسب رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية جبريل الرجوب، قتل نحو 400 رياضي وعامل في المجال على الأقل، من بين 39 ألف شخص قتلوا خلال الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من تسعة أشهر، بحسب وزارة الصحة في غزة.
حاولنا تتبع قصص رياضيين من غزة كان يمكن أن يكونوا ضمن المشاركين في الحدث الدولي لولا الظروف الصعبة التي حالت دون تأهل بعضهم، وغيبت كثرا آخرين وحولت أحلامهم الرياضية إلى كابوس.
ماجد أبو المراحيل
ترتبط الألعاب الأولمبية في أذهان كثير من الفلسطينيين باسم ماجد أبو المراحيل، العداء الذي عرف بلقب “الغزال الفلسطيني” والذي أنهى سباق 10,000 متر رجال في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في آتلانتا في 1996، رافعا بفخر العلم الفلسطيني لأول مرة.
شارك أبو المراحيل في عدة بطولات دولية مثل البطولة العربية الأفريقية في القاهرة في 1995، وكاد أن يفوته الحدث بعد توقيفه على الحدود نحو 10 ساعات٬ ثم حمل علم بلاده في أولمبياد بكين عام 2000، وحرم من المشاركة في منافسات أخرى مثلما حدث في ماراثون باريس في 1996 بسبب قيود سفر فرضتها إسرائيل حينها، بحسب الاتحاد الفلسطيني لألعاب القوى.
واستلهاماً لإرثه، سار عشرات الفلسطينيين على خطاه بعد أن كرّس حياته لتدريب أجيال من العدائين على طول شاطئ غزة.
وتدهورت صحة ماجد الذي كان يعاني من الفشل الكلوي مع انقطاع التيار الكهربائي ونقص الأدوية وانهيار الخدمات الطبية في القطاع وتوفي في مسقط رأسه في مخيم النصيرات للاجئين الشهر الماضي، يونيو/حزيران، عن عمر يناهز 61 عاما قبل أن يشهد مشاركة فلسطينية جديدة في الأولمبياد.
محمد حمادة
كان الرباع الفلسطيني محمد حمادة، 22 عاما، الذي سبق أن شارك في أولمبياد طوكيو 2020 هو الأقرب للتأهل في منافسات رفع الأثقال وزن 96 كيلو غراما لفئة الرجال في أولمبياد باريس، لكن لعنة الحرب لاحقته بعد أن فقد نحو 20 كيلوغراما من وزنه.
ومع المجاعة التي شهدها شمال القطاع، وطول أمد الحرب، والدمار الشديد الذي لحق بالمرافق الرياضية، ذهبت محاولات حمادة لاستعادة وزنه ومستواه هباء، وروى بطل رفع الأثقال الفلسطيني لبي بي سي بعد أن تمكن هو ومدربه من مغادرة غزة قصة تعرض منزل أسرته للدمار، واضطراره للنزوح من مكان لآخر أكثر من مرة كحال معظم سكان القطاع، وقال إنه نجا من الموت بأعجوبة.
وأضاف لبي بي سي أن “الرحلة من شمال القطاع للجنوب كانت أخطر تجربة خضتها في حياتي لأن نسبة نجاحها لم تتعد 10 بالمئة، كان الطريق مليئا بالجثث والمصابين ومررنا علي الحاجز الإسرائيلي وبالصدفة لم يلاحظوني”، وأضاف “مكثنا 23 يوما على الحدود حتى نتمكن من مغادرة القطاع”. ولم يتمكن حمادة من المشاركة في بطولة آسيا في أوزبكستان في فبراير/شباط الماضي.
وبعد رحلة خروج محفوفة بالمخاطر، ومن ثم التدريب المكثف لاستعادة لياقته ونظامه الغذائي في قطر والبحرين، لم يتمكن حمادة من انتزاع بطاقة التأهل لباريس، ورفض هو ومدربه حسام حمادة التعليق على القرار بسبب “حالته النفسية السيئة”.
وكتب حمادة بيانا مقتضبا على حسابه علي فيسبوك قال فيه إنه ومدربه علي ثقة من أنه “سيحقق تأهلا مباشرا في أولمبياد لوس أنجليس 2028 والمنافسة على الميداليات الأولى”.
نغم أبو سمرة
رغم استبعاد اللجنة الأولمبية لرياضة الكاراتيه من أولمبياد هذا العام في باريس، بعد إدراجها لأول مرة في الدورة الأولمبية الصيفية 2020 في طوكيو، إلا أن إعلان احتمال عودة الرياضة لمنافسات أولمبياد لوس أنجليس 2028 ذكر الكثيرين بلاعبة غزة الأولمبية نغم أبو سمرة.
اختارت نغم التي افتتحت مركزا لتعليم الكاراتيه صورة لها ببدلة الكاراتيه البيضاء، وهي تشدّ على خصرها حزاماً أسود، وتتخذ وضعية قتالية مع تعابير وجه حازمة كلافتة للمركز الذي يهدف لتشجيع الفتيات في المدينة المحافظة على تعلم رياضة الدفاع عن النفس.
تمتعت نغم بمسيرة رياضية مميزة، إذ حققت عدة بطولات وأنهت دراستها للماجستير في التربية الرياضية، لكن الحرب لم تمهلها كثيرا، وأصيبت لاعبة المنتخب الوطني الفلسطيني إصابات خطيرة أسفرت عن بتر رجلها في غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزل عائلتها في مخيم النصيرات للاجئين في ديسمبر/كانون الأول 2023.
ولفظت نغم أنفاسها الأخيرة في مستشفى في سيناء بعد شهر من دخولها في غيبوبة، ونعتها اللجنة الأولمبية الفلسطينية في بيان، ووصف رئيس اللجنة جبريل الرجوب غيابها بـ”الخسارة الفادحة” للرياضة الفلسطينية.
هاني المصدر وآخرون
في 14 نوفمبر 2023، قُتل اثنان من لاعبي المنتخب الوطني للكرة الطائرة، هما إبراهيم قصية وحسن زعيتر، في غارة جوية على مخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة. وفي 18 ديسمبر 2023، قُتل بلال أبو سمعان، مدرب المنتخب الوطني لألعاب القوى، في غارة جوية أخرى. وفي يناير/كانون الثاني 2024، قُتل هاني المصدر، اللاعب السابق ومدرب المنتخب الأولمبي الفلسطيني لكرة القدم، المعروف بمايسترو الكرة في غزة في قصف صاروخي.
يقول مصعب أبوسيف مدير دائرة الإعلام بالاتحاد الفلسطيني لكرة القدم كثيراً ما مُنعت فرق كرة القدم الفلسطينية، بما في ذلك المنتخب الوطني، من التنقل بحرية بين الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر للانضمام إلى تشكيلة المنتخب الوطني في المباريات الإقليمية والدولية.
وقال لبي بي سي “التقيت بهاني في عام 2022 خلال معسكر للمنتخب بالجزائر وتونس كانت المرة الأولى والوحيدة.. كان برفقته آنذاك اللاعبان أحمد كلاب وإبرهيم أبو عمير، وقدموا جميعا من غزة، بصعوبة كبيرة بسبب تعقيدات السفر ورغم الصعوبات وخلال إقامتنا معا في المعسكر، كان لطيفا خفيف الظل، خلوقا، ومحبوبا من اللاعبين، وقريبا منهم”.
وأكد رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية، جبريل الرجوب، أنه يجب على الرياضيين استخدام الظهور الإعلامي الذي توفره الألعاب الأولمبية “كمنصة” لرفع مستوى الوعي العام بالحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة لكن من المتوقع أن يلتزم الرياضيون الفلسطينيون بقواعد الحياد التي وضعتها اللجنة الأولمبية الدولية.
فوفقاً للمادة 50 من الميثاق الأولمبي، فإنه “لا يُسمح بأي نوع من المظاهرات أو الدعاية السياسية أو الدينية أو العنصرية في أي مواقع أو أماكن أوليمبية أو مناطق أخرى في البلد المضيف للألعاب”.