افتتاح الأولمبياد الباريسي يثير جدلاً عالمياً.. “رائع” و”فاضح”

الرياص – اسماء السيد – باريس : على غرار المنظّمين، كل على قدر اختصاصه ووظيفته، عملت وكالة فرانس برس بلا كلل طيلة عام من أجل التحضير لافتتاح أولمبياد باريس، مع التدقيق في كل التفاصيل لتحديد الوضع الأمثل لأفضل لقطة أو أفضل تقرير.

كان حفلًا غير مسبوق على نهر السين. لم يسبق أن أقيم حفل افتتاح الألعاب الأولمبية خارج الملعب الرئيس، وبالتالي استحق تماماً هذه التغطية غير المسبوقة، وتفاعل العالم مع التنظيم الباريسي باهتمام كبير، تراوح بين وصف حفل الافتتاح بالرائع والعبقري، وبين نعته بالمخجل والفاضح، قياساً بكل ما تضمنه، وخاصة مشهد السخرية من الديانة المسيحية.

في هذه الألعاب الأولمبية، تلعب وكالة فرانس برس التي تتخذ من باريس مقراً لها، “على أرضها” أيضاً.

لكن كلّ هذا التخطيط كاد أن يذهب أدراج الرياح بسبب ضيف غير مرحّب به: المطر.

60 صحفياً فوق أسطح البنايات وفي الهواء
في الهواء، على أسطح المعالم الأثرية في مدينة النور، على أسطح القوارب أو على ضفاف نهر السين، كان حوالي 60 صحافياً من فرانس برس، بين محرّر ومصوّر، على استعداد لالتقاط التاريخ الجمعة ثم بدأ المطر بالهطول… ولم يتوقف.

أفاد رئيس التحرير في قسم التصوير مارتان بورو الذي قاد لمدّة عام بعثات الاستطلاع لتحديد أفضل المواقع لمصوّري فرانس برس البالغ عددهم 48، أنه “حتى اليوم السابق، كانت التوقعات تشير إلى هطول أمطار صباح الجمعة وأن المساء سيكون جافاً”.

لكن كلّ شيء انقلب رأساً على عقب وحلّت كآبة ممزوجة بالمطر بدلاً من الألوان الزاهية المأمول أن تظهر خلال غروب الشمس الباريسي.

أرسلت وكالة فرانس برس 3500 صورة، بما في ذلك محتوى التصوير المشترك الذي أنتجته جميع الوكالات الدولية.

وهذا الرقم هو ضعف الإنتاج لحفل افتتاح أولمبي كلاسيكي في ملعب.

الضيف الثقيل يغير الخطط
وقال بورو “جعل الطقس الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لجميع المصورين. كان له تأثير بالتأكيد… عدد الصور الذي أرسلناه كان أقل مما خططنا له”.

وفي ظل هذا الضيف الثقيل، كان علينا لزاماً أن نغيّر الخطط بسرعة.

وقال المصوّر جوليان دي روزا الذي قضى اليوم على البرج الشمالي لكاتدرائية نوتردام الخاضعة للترميم بعدما أتى حريق ضخم عام 2019 على أجزاء واسعة منها، أن تموضعه في هذا المكان “كان من الممكن أن ينتج أشياء مختلفة تماماً في ظل ظروف جوية مختلفة”.

ومثل المواقع الأخرى على السطوح (في مسرح شاتليه، متحف أورساي، متحف اللوفر، شايو، وبالطبع برج إيفل)، عانى المصوّرون للوصول إلى موقعهم.

واجه دي روزا ظروفاً قاسية بسبب استخدام مادة الرصاص في عملية التجديد، ما اضطره إلى خلع ملابسه بالكامل وارتداء بدلة بيضاء واقية وحذاء وخوذة، ثم حمل 15 كلغ من المعدات إلى أعلى البرج، آملاً بالحصول على منظر رائع لنهر السين.

للأسف، أفسدت السحب والأمطار هذه الفكرة.

مصور بطائرة مروحية
كان هناك مصوّر آخر يحلّق في السماء، هو ليونيل بونافنتور الذي كان متواجداً على متن مروحية برفقة محرّر مسؤول عن نقل الصور مباشرة إلى مكتب الوكالة في المركز الصحافي الرئيسي للألعاب الأولمبية.

كان هناك مروحيتان فقط تحتهما، واحدة لشبكة “أن بي سي” الأميركية التي تتبعت قارب الولايات المتحدة، والأخرى لخدمات البث الأولمبية.

كان على المروحية القيام بعدة رحلات في نافذة زمنية من ساعتين تقريباً.

لكن “لم أتمكن من فتح الباب. التقطت الصور من خلال النافذة فقط. كان علي العودة بسرعة، لأن العدسة كانت تتبلل بسرعة”.

أنهت المروحية رحلتها قبل الأوان في الساعة العاشرة مساءً، وهبطت في الضواحي القريبة ولم تحصل على إذن للإقلاع مرة أخرى، بالتالي انتهت مهمة بونافنتور باكراً، لكنه سيتذكّر التجربة لأعوام لأنه رغم الذي حصل “التواجد هناك يبقى استثنائياً. ذُهِلت بذلك”.

كان على المصوّرين المتواجدين على الأرض ارتداء ملابس سوداء لتجنب الظهور في صور التلفزيون. بدا الكثير منهم مبلّلين تماماً.

جحيم لكنه رائع ومثير
وقال المصوّر فرانك فيف الذي كان على متن قارب المنتخب الأولمبي الفرنسي في نهر السين، إن “الأمر كان جحيماً، لكن يا لها من لحظة رائعة، يا لها من إثارة!”.

وكشف “صعد الفريق الفرنسي إلى القارب وهم يشعرون ببعض الإحباط (بسبب المطر). لكن سرعان ما تحسّنت الأجواء. هناك مشاعر خاصة في مثل هذه اللحظات. انبهروا بعدد الأشخاص الذين وقفوا تحت المطر لمشاهدتهم يمرون. كان الأمر هائلاً. كما تمكنت من العمل كما أردت”.

ولخص ما حدث في المساء بصور الفرحة و…كاميرتين معطلتين.

ومن بين الحوادث غير المتوقعة الأخرى، حجب غطاء من القماش الكاميرا الروبوتية التي تم تركيبها في تروكاديرو منذ أيار (مايو) من أجل التقاط اللحظات الأخيرة المثيرة من الحفل.

وتمكّن أحد المتخصّصين في الكاميرات الروبوتية في فرانس برس، فرنسوا كزافييه ماريت، من إبعاد الغطاء عن الطريق باستخدام عصا تلسكوبية يبلغ طولها سبعة أمتار.

نشيد الحب
من حسن حظنا أنه فعل ذلك، إذ تبين أن “المفاجأة” التي وعد بها المنظمون كانت عبارة عن النجمة الكندية سيلين ديون التي أدت أغنية “L’hymne à l’amour” (“نشيد الحب”) لإديت بياف من الطبقة الأولى لبرج إيفل، متحدية بذلك مرضها النادر الذي يمنعها من مواصلة مسيرتها الغنائية.

وكانت الكاميرا موجودة هناك لالتقاط اللحظة.

كما عانى المحرّرون من الطقس. كانت الحماية المعتادة من المظلات ومعاطف المطر غير كافية.

قالت كارين بيريه التي كانت بين 15 من زملائها المنتشرين على طول مسار العرض، إن “الأمر لم يكن سهلاً، لكننا لا نتذمر. لم نكن في مسرح حرب، في أوكرانيا في منتصف الشتاء”.

وكان آدم بلورايت مع المتفرجين عند جسر ألكسندر الثالث، لكن الأمسية كانت صعبة.

قال بهذا الصدد “مثل المتفرجين في المدرجات، لم نتمكن نحن الصحافيون على الأرض من مشاهدة سوى جزء محدود جداً من الحفل وقضينا معظم الأمسية في مشاهدة الشاشات الكبيرة لمعرفة ما يجري”.

اللحظة المذهلة
كانت مهمة بن ستانسال أن يلتقط اللحظة المذهلة عندما أوقدت العداءة السابقة ماري جوزيه بيريك وبطل الجودو تيدي رينر المرجل الأولمبي في حدائق التويلري والذي شكّل قاعدة منطاد الهواء الساخن.

قال “كان مشهداً رائعاً لأن الدخان خرج من المرجل وأشتعل وهو يرتفع إلى السماء. كان أمراً رائعاً حقاً”.

هذه المرة الخامسة التي يغطي فيها ستانسال حفل الافتتاح في الألعاب الأولمبية، لكن هذه التجربة كانت مختلفة تماماً “من الصعب المقارنة لأن جميع المراسم السابقة التي غطيتها كانت في الملعب…”.

بالنسبة لمدير التحرير في قسم التصوير مارتان بورو، برزت صور عدة من حفل الافتتاح: أداء سيلين ديون المفاجئ. عرض الليزر المذهل حول الحلقات الأولمبية على برج إيفل وأعمدة الدخان الأبيض والأحمر والأزرق الضخمة على جسر أوسترليتز.