مثل شعبي يتردد كثيرًا في مصر للتعبير عن القوة والقدرة على إنجاز المهام الصعبة والمستحيلة وخلف هذا المثل حكاية أسطورية تمتد جذورها لآلاف السنين، وتعود إلى الحضارة المصرية القديمة، حيث تروي إحدى الجداريات الفرعونية قصة ملهمة تجسد عراقة هذا الشعب.
أصل المثل وجدارية توت عنخ آمون
يعود أصل هذا المثل إلى جدارية فرعونية تظهر الملك توت عنخ آمون، أحد أشهر ملوك مصر القديمة، وهو يحمل سيفاً معقوفاً في يد واحدة، ويمسك بأسدين معلقين من ذيليهما في يده الأخرى و الجدارية تكتسي بأبعاد رمزية عميقة، فهي ليست مجرد تعبير فني، بل تجسد في تفاصيلها رموز القوة والسيطرة والشجاعة.
رمزية الجدارية
وفقًا لما أوضحه الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار المصرية، فإن هذه الجدارية تحمل معاني رمزية مهمة و يظهر الملك الفرعوني في صورة بطل خارق، ممسكًا بالأسود، وهي رمز للقوة والشراسة، في دلالة على قدرته على السيطرة على أعدائه فقرص الشمس المجنح يعلو الملك، ليعبر عن الحماية الإلهية التي تمنحها له الآلهة. خلف الملك، نجد النسر “نخت” الذي يبسط جناحيه، مما يرمز إلى حماية الملك من كل المخاطر.
أسفل الجدارية، يظهر شريط زخرفي يعبر عن الجبال وكثبان الصحراء، ما يعكس الطبيعة الجغرافية المحيطة بمصر والتي شكّلت جزءًا من التحديات التي تغلبت عليها الحضارة المصرية عبر تاريخها الطويل.
الديب: رمز القوة والمراوغة
أما الذئب المنقوش على الجدارية فهو أحد أهم الرموز التي تميزت بها الحضارة الفرعونية. يمثل الذئب في هذه الجدارية القوة، والسرعة، والتوحش، والقدرة على المراوغة والذكاء وهذا الرمز يعكس فكر المصري القديم حول الصراع والبقاء، حيث من يستطيع التغلب على الذئب لا بد أن يكون متفوقًا عليه في جميع الصفات ولكن التعبير الذي يفيد بإمساك الذئب من ذيله يُعد مبالغة مقصودة لتجسيد السيطرة التامة والقدرة على مواجهة التحديات الأكثر وعورة.
المبالغة في المثل ودلالته
التعبير “جاب الديب من ديله” هو صورة مبالغ فيها للتعبير عن التفوق والقدرة الخارقة على إنجاز الأمور التي تبدو مستحيلة فمن يستطيع الإمساك بالذئب، المعروف بسرعته وذكائه، من ذيله، هو بالتأكيد شخص يمتلك قوى وقدرات هائلة. المثل يعكس إيمان المصريين بقدرتهم على التغلب على التحديات، مهما كانت صعوبتها.
القوة والشراسة في مواجهة الأعداء
يُعتبر الأسد رمزاً لمصر وشراستها في مواجهة أعدائها، وفقًا لما أوضحه شاكر، وهو ما يعزز الرسالة التي أرادت الجدارية نقلها: مصر، تحت قيادة ملوكها وحماية آلهتها، كانت قوية بما يكفي للتغلب على الأعداء والطبيعة الصعبة ومن هنا، جاءت فكرة الإمساك بالأسود من ذيليهما كتعبير عن هذه السيطرة المطلقة.