في اكتشاف أثري غير مسبوق، تمكنت البعثة الأثرية المصرية الفرنسية المشتركة، من الكشف عن كنوز أثرية فريدة من نوعها.
وتضمنت هذه الكنوز، مجموعة رائعة من اللوحات والنقوش والصور المصغرة لملوك مصر القدماء، من بينهم أمنحتب الثالث وتحتمس الرابع وبسماتيك الثاني وإبريس.
اكتشاف أثري مذهل
ما يميز هذا الاكتشاف، هو أنه تم العثور على هذه الآثار الثمينة في مكان غير متوقع تماما، وهو قاع نهر النيل بأسوان، جاء هذا الاكتشاف بالصدفة، أثناء تنفيذ مشروع مسح أثري شامل باستخدام التصوير الفوتوغرافي، وذلك بهدف دراسة النقوش الصخرية الموجودة تحت الماء، والتي لم يتم استكشافها بشكل كامل من قبل.
ويعود تاريخ هذه النقوش إلى ستينيات القرن الماضي، حين تم اكتشافها خلال حملة إنقاذ آثار النوبة، قبل بناء سد أسوان العالي.
كشف الدكتور شاذلي عبد العظيم، مدير منطقة آثار أسوان، عن تفاصيل هذا الاكتشاف المذهل، موضحا أن الآثار الجديدة تم العثور عليها في جزيرة «كونوسو»، وهي جزيرة غنية بالآثار الفرعونية وتقع في قلب نهر النيل.
وغطت مياه النيل معظم هذه الجزيرة على مر العصور، مما جعلها مخبأة عن أعين الباحثين لسنوات طويلة.
نقوش من عهد أمنحتب الثاني
أضاف أن النقوش المكتشفة في جزيرة «كونوسو» تعود إلى فترات تاريخية مختلفة، بدءًا من العصر المتأخر وصولاً إلى العصر الحديث.
ومن أبرز هذه النقوش، تلك التي تعود إلى عهد الملكين واح إب رع وبسماتيك الثاني، بالإضافة إلى نقوش أخرى تعود إلى عهد الإمبراطورية الحديثة، مثل عهدي أمنحتب الثاني وتحتمس الرابع.
لفت «عبد العظيم»، إلى أن البعثة المشتركة قامت في ديسمبر من عام 2023، بتوثيق دقيق للنقوش الأثرية الغارقة تحت مياه نهر النيل.
تصوير ثلاثي الأبعاد للنقوش
أضاف أن وزارة السياحة والآثار، تعمل حاليا على استخدام أحدث التقنيات المتاحة، مثل التصوير ثلاثي الأبعاد والفوتوجرامتري، لدراسة هذه النقوش بشكل تفصيلي، وكشف أسرار جزيرة كونوسو كاملة.
من جانبه، أكد الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن البعثة بدأت أعمالها في المنطقة المحيطة بجزيرتي فيلة الأصلية وكونوسو، ونجحت في توثيق كل النقوص الموجودة هناك بدقة عالية، وذلك بفضل حالة الحفظ الجيدة التي تتمتع بها هذه النقوش.
وكشف الدكتور هشام الليثي، رئيس قطاع حفظ وتسجيل الآثار المصرية، عن استخدام البعثة لأحدث التقنيات المتاحة في مجال الآثار الغارقة.
وشملت هذه التقنيات الغوص، والمسح الأثري، والتصوير الفوتوغرافي والفيديو تحت الماء، والتصوير المساحي الضوئي (الفوتوجرامتري)، بالإضافة إلى الرسم الأثري التقليدي.
حماية الآثار والحفاظ عليها للأجيال المقبلة
أشار الدكتور إسلام سليم، مدير عام الإدارة العامة للآثار الغارقة، إلى أن الهدف من استخدام هذه التقنيات هو إنتاج نماذج ثلاثية الأبعاد دقيقة للنقوش المكتشفة.
وسيتم دراسة هذه النماذج بشكل علمي متعمق، ومن ثم نشر نتائج هذه الدراسات، ويهدف هذا المشروع إلى حماية هذه الآثار الثمينة والحفاظ عليها للأجيال القادمة، موضحًا أن أعمال المسح الأثري التي تجري حاليا تشير إلى وجود احتمالية كبيرة لاكتشاف المزيد من النقوش والمعلومات التاريخية التي لم يتم الكشف عنها من قبل.
وتتوقع هذه الأعمال أن تساهم في إلقاء الضوء على فترات تاريخية مهمة من تاريخ مصر القديمة، خاصة فترة حكم الأسرة الثامنة عشرة، وعلى وجه الخصوص عهدي الملك تحتمس الرابع والملك أمنحتب الثالث.
كما تتوقع هذه الأعمال، الكشف عن المزيد من المعلومات حول الملوك الذين حكموا في العصر المتأخر، مثل الملك بسماتيك الثاني والملك إبريس.
جهود متواصلة منذ 2008
أشار إلى أن هذا الاكتشاف ثمرة جهود متواصلة بدأت منذ عام 2008، حيث قامت البعثة الأثرية بأول رحلة غطس استكشافية تحت مياه نهر النيل.
وأكد أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام أحدث التقنيات المتطورة في مجال التصوير والمسح الأثري، لدراسة الآثار الغارقة تحت الماء.
ولفت إلى أن الآثار المكتشفة عبارة عن صخور طبيعية تحمل نقوشا أثرية، تعود إلى فترة قديمة جدا، وتحديدا إلى عام 550 قبل الميلاد، مشيرًا إلى أن هذه الآثار تعد كنزا تاريخيا فريدا من نوعه، حيث أنها تكشف عن جوانب جديدة من الحياة والحضارة المصرية القديمة.