تعد “دار الإفتاء” أحد الهيئات الهامة المسؤوله عن توضيح مختلف الأحكام الشرعية الخاصة بحياة الأفراد والمجتمعات، وطرحت الدار قضية عصرية هامة وهي مسألة التوقيت الشتوي والصيفي، حيث في ظل التقلبات الاقتصادية والاجتماعية، أصبح من الضروري عرض هذه التوقيتات من منظور شرعي.
آيات الله في تعاقب الليل والنهار
خلق الله تعالى الليل والنهار بحكمته وعلمه من أجل خلق اتزان كوني يتناسب مع طبيعة الحياة لجميع المخلوقات في النشاط والسكون، وقال الله تعالى في كتابه العزيز آيات تدل على هذه الظاهرة الكونية الرائعة والتي جاءت ضمن سورة النبأ وهي: “وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾، وأيضًا شملت سورة الإسراء على قوله عز وجل: “وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا”، وهذا التعاقب لا يقدر أحد على تغييره ولا يمكن التلاعب في نظامه.
قياس الزمن مهمة البشر
ما يمكن على البشر تحديده هو فقط “الوقت” وهذا يُبرر التغيرات الموجودة بين الحضارات، حيث نجد أن الحضارتي الإسلامية واليهودية تتبع توقيت الغروبي الذي يبدأ فيه حساب ساعات النوم بمجرد غروب الشمس بينما يسبق الليل النهار، أما سكان بابل القدماء كانوا يتخذون من شروق أشعه الشمس بداية اليوم، ونجد المصريون القدماء والرومان يتبعون “التوقيت الزوالي” والذي يعتبر أن بداية اليوم تكون عند منتصف الليل وهذا النظام الذي يتعامل به العالم في هذه الآونة، وهذا التوقيت البشري أتاح للبشر مساحة جيدة لخلق نظام حياة مرتب مثل أيام الأسبوع ولذلك لا يمكن لأحد التلاعب فيها أو تغييرها كليًا، فضلًا عن أننا نجد تأقلم المسلمون مع هذا التوقيت وعلى أساسه تم تعليق العبادات والمعاملات، ولذلك صار تغييرها أمرًا محظورًا يضر بالاستقرار العام للمسلمين، وهذا يُذكرنا بما قام به اليهود في “مسألة النسىء” حيث تغيير موقع الأشهر الحُرم والتي حرمها الله تعالي في قوله الذي ورد في “سورة التوبة” ” إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.
الساعة والزمان يعدان حكمة إلهية وتدبير بشري
يمكن النقاش في مسألة تحديد الوقت مادامت بعيدة عن حدوث اضطرابات في العبادات أو النظام، ولذلك عمل المسلمون بالتوقيت الزوالي، حيث أن العمل به لا يعد خروجًا عن الدين الإسلامي أو تغيير لخلق المولى -عزوجل- على الرغم من أن التوقيت الأنسب لعباداتهم في هذا الوقت كان “التوقيت الغروبي”، حيث كان الليل والنهار في أصلها 12 ساعه ويتغير بالزيادة أو النقصان حسب تغيير فصول السنة وأطلق العلماء المسلمون المتخصصون في الفلك اسم “الساعات الآفاقية” على هذه الحالة وعلى إثر ذلك اتبعوا قول رسولنا الكريم -صل الله عليه وسلم-“يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة”، كما تم تسمية الساعات الفائضة أو الناقصة باسم “الساعات التعديلية”، وظهر بينهما اختلاف بشأن الهدف من تبكير ساعات يوم الجمعة ولكن دون حرج أو إثم.
تطبيق التوقيت الصيفي
تطبيق التوقيت الصيفي والذي فيه يتم تبكير الوقت لساعة واحدة يُعتبر أمر اجتهادي يتخذه أولو الأمر في الدولة، وعلى الرغم من أن او لمن عمل بها هم “الإنجليز” إلا أن هذا لا يمنع العمل بع باعتباره حرامًا إلا في حالة إثبات يضيع مصلحة كبيرة للأمة، وإذا لم يتم تقديم دليل قوي مقنع على ذلك فإنه يجوز لولي الأمر إلزام العمل به ولن يكون ذلك تجاوزًا لحدود الله أو تغيير لخلقه.