منذ عقود، كانت النظريات المتعلقة بأصول التقويمات والحسابات الزمنية تعتمد على اكتشافات أثرية في الشرق الأوسط، مثل بلاد الرافدين ومصر القديمة، ولكن اكتشافات أثرية حديثة جنوب تركيا في منطقة “غوبكلي تبه” و”قره خان تبه” قلبت هذه النظريات رأسا على عقب، وفتحت الباب أمام فهم جديد لأقدم محاولات البشر لتنظيم الزمن.
غوبكلي تبه وقره خان تبه مواقع تسبق الحضارة الزراعية
يعتبر موقع غوبكلي تبه، الذي يقع في جنوب تركيا، من أقدم المواقع الأثرية المعروفة حيث تم بناؤه حوالي 9600 قبل الميلاد، ويحتوي على هياكل حجرية ضخمة مزخرفة بأشكال حيوانات ورموز معقدة، ورغم أن الموقع كان يعتقد سابقا أنه مجرد مكان للتجمع والعبادة، إلا أن العلماء اليوم يميلون إلى الاعتقاد بأنه كان أيضا مركزا لحساب الزمن، وهو ما يعيد التفكير في تصوراتنا حول نشأة التقويمات، ك، على بعد كيلومترات قليلة، يقع موقع قره خان تبه، الذي يعود تاريخه إلى نفس الفترة تقريبا، وقد كشفت التنقيبات الأثرية فيه عن تصميمات وأدوات قد تكون دليلا على أن سكان هذه المنطقة بدأوا باستخدام تقويمات بدائية لحساب الفصول والسنوات، ربما لأغراض زراعية أو دينية.
تقنيات لحساب الزمن رموز فلكية ونقوش أثرية
تحتوي هياكل غوبكلي تبه وقره خان تبه على رموز معقدة تتضمن صورا لحيوانات وحيوات فلكية، يعتقد أن سكان تلك الفترة استخدموها لرصد النجوم وتحديد أوقات معينة في السنة، فقد وجد العلماء أدلة على أن بعض الحجارة قد تم توجيهها بشكل محدد تجاه النجوم أو الكواكب البارزة في السماء، مما يشير إلى احتمالية استخدامها في التقويم، وكما تشير بعض الرموز إلى أن سكان غوبكلي تبه وقره خان تبه كانوا يتابعون التغيرات الفصلية من خلال حركة الشمس والقمر، وهذه النظرية مدعومة بوجود نقوش على الحجارة تشير إلى مراحل القمر المختلفة، وهي تقنية قد تكون ساعدتهم في حساب مرور الأشهر.
أهمية الاكتشافات في إعادة صياغة تاريخ التقويمات
تغيير النظريات حول أصول التقويمات يعود إلى اعتبار هذه الاكتشافات دليلا على أن سكان الأناضول القدماء كانوا أول من بدأوا بتسجيل الزمن قبل اختراع الكتابة، وهذا الاكتشاف له اثار واسعة في فهم تطور الحضارا، فبدلا من كون الحضارات الزراعية في بلاد الرافدين ومصر هي البادئة في تنظيم الزمن، يمكن القول إن جذور التقويمات قد تكون أقدم من ذلك.
تطلعات لمزيد من الدراسات المستقبلية
تواصل فرق الأبحاث العمل في مناطق غوبكلي تبه وقره خان تبه، وهناك احتمالات أن تكتشف أدوات وأساليب أخرى استخدمها سكان تلك المنطقة في حساب الزمن، وكما أن هذه الدراسات تدفع إلى إعادة تقييم العديد من المواقع الأثرية الأخرى في تركيا، وتزيد من احتمالية أن تكون الحضارة الإنسانية قد بدأت في حساب الوقت بشكل منهجي قبل الاف السنين مما كنا نعتقد، وتعد هذه الاكتشافات الأثرية جنوب تركيا نقلة نوعية، فهي لا تقتصر على تغيير الأفكار حول أصول التقويمات، بل تعيد صياغة تاريخ الحضارة نفسها، وتجعل من الواضح أن شعوب ما قبل التاريخ كانوا يمتلكون فهما متقدما للكون من حولهم.