«خلية النحل وما علاقتها الأهرامات؟؟».. مدافن غامضة بين الرمال والتهديدات في السودان | صدمة ستغير التاريخ

تعتبر مدافن “خلية النحل” الواقعة في شمال السودان، والتي تعود إلى القرن السادس الميلادي، واحدة من أهم المواقع الأثرية التي تروي تاريخ حضارة النوبة القديمة، حيث تقدم لمحات ثمينة عن حياة هذه الحضارة الروحية والثقافية، فضلاً عن كونها رمزًا مميزًا لعلاقات الإنسان بالموت والآخرة.

رغم اكتشاف هذه المدافن منذ عقود، فإنها تحظى اليوم باهتمام متزايد في ظل التوترات الحالية في السودان، حيث تفتح المجال لفهم أعمق للحياة في مملكة المقرة القديمة تقع المدافن في منطقة دنقلا العجوز، وتتميز بتصميم معماري فريد يشبه خلايا النحل المتراصة، ما يرمز إلى الخلود والتواصل مع العالم الروحي وفقًا للمعتقدات القديمة لأهل النوبة.

تصميم رمزي ومعمار فريد

تتميز المدافن بتلال من الرمال تحيطها هياكل حجرية، وهي تركيبة تعكس المعتقدات النوبية حول الحياة بعد الموت في هذا السياق، تشير الدكتورة حباب إدريس، كبير مفتشي الآثار في السودان، إلى أن هذه المدافن لا تقتصر على كونها أماكن دفن فقط، بل تمثل شهادة على براعة الحضارة النوبية في دمج الرمزية الدينية مع التصاميم المعمارية، مما يعكس فلسفة الحياة والموت السائدة في ذلك العصر.

وأوضحت إدريس في تصريحات لـ”العربية.نت” أن هذه المدافن تُعد جزءًا من الإرث الثقافي النوبى، الذي يتجسد في تصميماتها المعمارية ويعكس تطور المملكة النوبية في ظل مملكة المقرة وأكدت أن هذه المواقع تساهم في فهم التنظيم الاجتماعي والسياسي للمجتمع النوبى في ذلك الوقت، بما في ذلك ارتباطه العميق بالدين.

تهديدات لحماية الإرث الثقافي

ورغم الأهمية التاريخية لهذه المدافن، إلا أنها تواجه تهديدات عديدة تهدد بقاءها فإلى جانب التعرية الطبيعية، تتسبب الأنشطة البشرية غير القانونية مثل التنقيب العشوائي في الأضرار بالغة للموقع وتضاف إلى هذه التحديات الظروف السياسية والاقتصادية التي أدت إلى تراجع الدعم المخصص لحماية هذه المواقع الأثرية.

وحذرت إدريس من أن “التهديدات المستمرة” التي تواجه مدافن “خلية النحل” قد تؤدي إلى فقدان جزء من تاريخ السودان الثمين إن لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة ودعت إلى ضرورة التعاون بين الحكومة السودانية والمنظمات الدولية لضمان الحفاظ على هذا الإرث الثقافي الفريد.

مكانة المدافن ضمن التراث العالمي

تمثل مدافن “خلية النحل” جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي العالمي، فهي تعكس تاريخًا مشتركًا بين الحضارات القديمة على ضفاف النيل وإذا ما تم الحفاظ عليها بشكل مناسب فإنها ستوفر رؤى جديدة حول العلاقات الثقافية بين النوبة والشعوب المجاورة في شمال إفريقيا.

من جانب آخر، قد يسهم إدراج هذه المدافن ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو في تعزيز الاهتمام الدولي بهذه المنطقة الحيوية التي تُعد شاهدًا على الحضارة النوبية القديمة، ما يعزز من جهود الحفاظ عليها وينقذها من التدهور المحتمل.

إرث مملكة المقرة العريقة

تعتبر مملكة المقرة، التي تأسست في القرن السادس الميلادي في قلب وادي النيل، واحدة من أعظم الممالك النوبية وقد كانت عاصمتها دنقلا العجوز مركزًا للحضارة المسيحية، إذ كانت الكنائس مزينة بزخارف فنية مميزة كما ارتبطت المقرة بمعاهدة “البقط” الشهيرة مع المسلمين، والتي ضمنت لها استقلالًا طويل الأمد ورغم انهيار المملكة في القرن الرابع عشر، فإن إرثها ما زال حيًا في معمارها وثقافتها.

وفي خطوة حديثة، كشف فريق من العلماء البولنديين قبل ثلاثة أعوام عن اكتشاف كنيسة ضخمة في دنقلا العجوز، قد تكون الكاتدرائية الأولى من نوعها في المنطقة، مما يعكس تأثير المسيحية في السودان قبل وصول الإسلام.