بوابة الزهراء: علق الكاتب الدكتور بدر بن سعود، على تقديم الذكاء الاجتماعي على غيره في مسألة التوظيف والترقية في المملكة.
التوظيف والترقية
وقال بدر بن سعود في مقال له بعنوان “الترقيات والوظائف لمجتمع الـ8 %”، المنشور بصحيفة “الرياض”: بعض خبراء ومستشاري الموارد البشرية في المملكة يقدمون الذكاء الاجتماعي على غيره في مسألة التوظيف والترقية، وهم يرون أن الكفاءة المهنية والجدارة والمؤهلات تأتي في المرتبة الثانية، ولا تمكن الموظف من الوصول لموقع محترم في السلم الوظيفي، ولأنهم يحاولون شرعنة الواسطة والمحسوبية وتقعيدها نجدهم يربطون النجاح الوظيفي بشروط ضبابية من نوع فهم السياسة الداخلية لمكان العمل، والقدرة على اقناع الآخرين، والمهارات التفاوضية والعاطفية، والتماهي مع اللغة التي يستخدمها كبار الموظفين في حواراتهم واجتماعاتهم، ومعها الاحتفاظ بعلاقات إيجابية مع القيادات المباشرة والإشرافية، والأخير، في رأيي، يحتاج لتنازلات نظامية في بعض الأحيان لإرضاء المسؤول التنفيذي المتطلب والانتهازي، وربما أثر في نزاهة الموظف ومهنيته ومبادئه وشكك فيها.
الوساطات الشخصية
وأشار: كل الأجهزة الحكومية وشبه الخاصة على المستوى المحلي لديها سياساتها غير المكتوبة في الترقيات والتوظيف، ومفاتيح نظامية لتسويغ هذه التصرفات، أخذت من واقع التجارب المؤلمة مع (نزاهة)، وبما يخرجها من دائرة الفساد والمحاسبة عليه، من أبرزها؛ اللوائح الداخلية للوزارت، ولجان الترقيات والتوظيف السرية، التي تضع شروطا تعجيزية أمام من يستحق الترقية أو التوظيف، وبطريقة تجعلها مناسبة لأشخاص دون غيرهم، وبحيث تتحول إلى قانون، بمجرد الموافقة عليها من رئيس الجهاز، رغم أنها لم ترد بالنص في أنظمة وزارة الموارد البشرية، ولم يبقَ إلا أن يأخذ السعوديون بالنموذج السويسري الذي لا توجد فيه مطبات قانونية تمنع الشخص من تزكية أصدقائه وأقاربه أو توظيفهم، أو كما هو الحال في إيطاليا، فقد كشفت أرقام وزارة العمل الإيطالية أن 61% من مؤسساتها تعتمد في توظيف العاملين لديها على الوساطات الشخصية.
وظيفة مشابهة
وأوضح: الإشكالية لا تخص دول الخليج أو المنطقة العربية، وإنما تمتد لكل العالم، وتدخل فيها الدول الفقيرة ودول المؤسسات والتشريعات، بالإضافة للديموقراطيات الغربية، التي تؤمن بعدالة توزيع الفرص بين الناس، وفي دراسة أجراها الاقتصادي الأميركي (ستيف واتس) عام 2015، وجد أن الطفل الذي يولد لعضو في مجلس الشيوخ فرصته في أن يصبح هو نفسه عضوا في المجلس، إن رغب، ترتفع بمعدل ثمانية آلاف و500 ضعف، مقارنة بمن لا يمتلكون هذه الميزة، ومثله من يولد للواء في الجيش الأميركي، ففرصته في أن يصل إلى رتبة والده ترتفع بمعدل أربعة آلاف و582 ضعفا، ومن يولد لمدير تنفيذي فرصته في الحصول على وظيفة مشابهة لوالده ترتفع بمعدل ألف 859 ضعفا.
الصحافة والأدب
وأكمل: الأمر لا يتوقف عند المهن ويمتد إلى الجوائز والإنجازات الثقافية الكبري، ومن الامثلة، ان فرصة الشخص في ربح جائزة (غرامي) الموسيقية تزيد بمعدل ألف و497، إذا كان أحد أفراد عائلته قد حصل عليها، وإمكانية فوزه بجائزة (بوليتزر) في الصحافة والأدب، تتضاعف بمقدار ألف و639، عندما يكون شخص من أسرته فاز بها مسبقاً، ويحدث هذا بفعل العلاقات السابقة مع النافذين وأصحاب القرار، وذلك في المستويات المختلفة لكل مهنة أو جائزة، والمفارقة أن المهن العادية تخضع لذات المعادلة، فبحسب مسح اجتماعي في 2022، قامت به جامعة شيكاغو الاميركية، لوحظ أن فرصة الشخص في أن يكون طبيباً تتضاعف 19 مرة إذا كان والده طبيباً، و27 مرة في حالة أبناء المحامين.
السلطة والثروة
وزاد: كل ما سبق يخضع لديناميكية البناء المجتمعي، وعلاقات السلطة والثروة فيه، واقيام رؤوس الأموال الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للاشخاص، والتي يتم توارثها بين الأجيال، والدليل وجود عائلات معينة في حوزتها غالبية ثروات العالم، وقد تم تكوينها خلال فترة تتراوح ما بين ثلاثة إلى ستة اجيال، كعائلة (والتون) مالكة محال (وولمارت) الاميركية الشهيرة، وتقدر ثروتها بـ259 مليار دولار، وعائلة (هرمز) الفرنسية، المعروفة في عالم الأزياء والموضة، وثروتها تصل لنحو 150 مليار دولار.
الحلول الصعبة
وتابع، قائلا:”المعنى أن من لديهم امتيازات سابقة، فرصتهم في الحصول على المزيد من هذه الامتيازات ترتفع، ومن لا يملكون ذلك، تكبر معاناتهم مع الحرمان من جيل لآخر، وفي تجربة على خيارين افتراضيين، قام بإجرائها علماء النفس في أميركا عام 2007، وسألوا فيها مجموعة من الأميركيين عن رأيهم في الطريقة الأنسب لتوزيع الثروة، وكان الخيار الأول يعطي خمس المجتمع غالبية الثروة، والأربعة أخماس يحصلون على البقية، بينما الخيار الثاني يحتفظ لخمس المجتمع بثلث الثروة، والثلثين توزع بالتساوي على الأربعة اخماس، واختار 92% المجتمع الثاني و8% المجتمع الأول، والعجيب أن الخيار الذي لم يفضله إلا 8% يمثل في الواقع شكل توزيع الثروة الحقيقي في المجتمع الأميركي، وما يصاحبه من امتيازات في كل شيء، والمجتمعات الأخرى في الشرق والغرب لا تبتعد كثيراً، وبالتالي فالقضية معقدة جداً، وتحتاج لجهود جبارة وخطة عمل متقنة، وتحديدًا من قبل وزارات الموارد البشرية والمالية و(نزاهة)، وبما يضمن تحقيق العدالة الممكنة في الترقية والتوظيف وتوزيع الثروة في سوق العمل، وأتصور أن الحلول الصعبة ممكنة، وخصوصًا في زمن الرؤية وعرابها.