في خضم التنافس العالمي على الموارد الطبيعية والثروات تصدرت الأخبار إعلان إحدى الدول الأفريقية عن اكتشاف ضخم لأكبر بئر نفط في العالم بإنتاج يُقدر بـ85 تريليون برميل وهذا الاكتشاف غير المسبوق لا يمثل فقط طفرة اقتصادية هائلة لهذه الدولة بل يضعها أيضًا في مركز الاهتمام الدولي حيث تتسابق القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا لضمان مصالحها في المنطقة ، وهذا الحدث يعكس التحولات الجيوسياسية التي يمكن أن تحدث نتيجة استكشاف موارد جديدة في قارة أفريقيا التي لطالما كانت مسرحًا للتنافس الاستراتيجي والاقتصادي بين القوى العظمى ومع هذا الاكتشاف تلوح في الأفق فرصة لتحول هذه الدولة إلى واحدة من أغنى دول العالم مما قد يغير ميزان القوى الاقتصادية عالميًا.
اكتشافات نفطية كبرى في موزمبيق
في خطوة جديدة نحو تعزيز مكانتها على خريطة الطاقة العالمية تشهد موزمبيق تطورًا مهمًا في قطاع الطاقة حيث نجحت شركة النفط الصينية العملاقة “سينوك” (CNOOC) في الحصول على امتيازات للتنقيب عن النفط في خمس مناطق بحرية جديدة قبالة سواحل البلد الأفريقي ومع هذا الاكتشاف تفتح موزمبيق أبوابًا واسعة أمام استثمارات جديدة وتحولات اقتصادية قد تجعلها واحدة من أبرز اللاعبين في صناعة الطاقة العالمية.
امتيازات نفطية جديدة تعزز موقع موزمبيق
يعد هذا التطور جزءًا من استراتيجية موسعة لشركة “سينوك” لتوسيع استثماراتها في أفريقيا وزيادة حصتها من الموارد النفطية ووفقًا للعقود التي تم توقيعها مع وزارة الطاقة في موزمبيق ستحصل “سينوك” على امتيازات للتنقيب في خمس مربعات بحرية جديدة تمتد على مساحة 29 ألف كيلومتر مربع ويختلف عمق المياه فيها بين 500 و2500 متر ، ويتم تنفيذ هذه المشاريع بالتعاون مع الشركة الوطنية للهيدروكاربونات “إي إن إتش” (Empresa Nacional de Hidrocarbonetos) حيث ستلعب “سينوك” دور المُشغل الرئيسي مع احتفاظها بحصص تشغيلية كبيرة تصل إلى 80% في بعض المربعات بينما ستكون الشركة الوطنية للهيدروكاربونات هي الشريك الذي يتولى الحصص غير التشغيلية مما يضمن لها دورًا في هذا النشاط الاستثماري الكبير.
تفاصيل الامتيازات والشراكات التشغيلية
تتمثل التفاصيل الرئيسية لهذه الاتفاقيات في توزيع حصص التشغيل على النحو التالي:
- مربع إس 6-إيه (S6-A): تملك “سينوك” 70% من الحصة التشغيلية.
- مربع إس 6-بي (S6-B): تملك “سينوك” 77.5% من الحصة التشغيلية.
- مربع إيه 6-دي (A6-D): تملك “سينوك” 77.5%.
- مربع إيه 6-إي (A6-E): تملك “سينوك” 80%.
- مربع إيه 6-جي (A6-G): تملك “سينوك” 79.5%.
- أما الشركة الوطنية للهيدروكاربونات فستحتفظ بحصص غير تشغيلية في هذه المناطق تتراوح بين 20% و30%، بحسب المربع.
- وفيما يتعلق بمراحل التنقيب ستبدأ الشركة الصينية تنفيذ عمليات استكشافية خلال المرحلة الأولى التي تمتد لمدة أربع سنوات ومن المتوقع أن تشمل هذه العمليات عدة دراسات جيولوجية وجيوفيزيائية تهدف إلى تقييم الإمكانات النفطية في هذه المناطق.
موزمبيق مورد محتمل للنفط ومصدر عالمي للغاز
رغم أن موزمبيق لا تُعد من الدول الرئيسية المنتجة للنفط في أفريقيا إلا أن هذا الاكتشاف يُعد خطوة مهمة نحو تعزيز قدرتها على إنتاج النفط ويمثل تحولًا استراتيجيًا لقطاع الطاقة في البلاد وتعد موزمبيق واحدة من أكبر ثلاث دول أفريقية في إنتاج الغاز الطبيعي حيث تملك احتياطيات ضخمة من الغاز وهذا يجعلها بالفعل من المصادر المهمة لإمداد أوروبا بالغاز الطبيعي بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ، وإن الغاز الطبيعي هو أحد أبرز صادرات موزمبيق حيث وقعت في عام 2019 اتفاقية طويلة الأمد مع شركة “موزمبيق إل إن جي 1” (Mozambique LNG1) المملوكة جزئيًا لشركة “سينوك” لبيع وشراء الغاز الطبيعي المسال ويؤكد هذا التعاون أهمية موزمبيق في سوق الطاقة العالمية خاصة في وقت تتسابق فيه الدول الأوروبية للحصول على مصادر بديلة للغاز بعد نقص الإمدادات من روسيا.
مرحلة جديدة لقطاع الطاقة في أفريقيا
يُعَد هذا الاكتشاف جزءًا من اتجاه أوسع نحو استكشاف وتنمية موارد الطاقة في أفريقيا ففي السنوات الأخيرة بدأت الشركات الكبرى مثل “سينوك” في تكثيف استثماراتها في القارة الأفريقية نظرًا للفرص الكبيرة التي توفرها ، ومن خلال هذه المشاريع لا يقتصر الدور الأفريقي على كونه مجرد مصدر للموارد الطبيعية بل تتطلع القارة أيضًا إلى تطوير بنيتها التحتية الطاقية لتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض الدول ، ومع استمرار عمليات التنقيب وتطوير مشروعات النفط والغاز فإن هذه الاكتشافات قد تشكل بداية لتحول اقتصادي كبير في موزمبيق سيسهم هذا في تعزيز إيرادات الدولة وتحفيز قطاع الطاقة المحلي وخلق فرص عمل جديدة مما يدعم الاقتصاد الوطني بشكل كبير.
دور الصين في تعزيز الشراكات الدولية
إن توسع شركة “سينوك” الصينية في موزمبيق يعكس استراتيجية الصين الشاملة لزيادة نفوذها في قطاع الطاقة العالمي حيث تسعى الصين إلى تعزيز حصتها من احتياطيات النفط والغاز في مختلف أنحاء العالم بهدف تأمين إمدادات الطاقة لأكبر اقتصاد في العالم ، ومن خلال هذه الخطوة لا تقتصر الصين على زيادة إنتاجها المحلي فقط، بل تقوم أيضًا بتطوير شراكات استراتيجية مع الدول المنتجة للطاقة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وقد بدأت “سينوك” في وقت سابق من هذا العام تنفيذ مشروع ضخم للغاز في بحر بوهاي قبالة سواحل الصين ، كما أعلنت عن اكتشافات نفطية جديدة في بحر الصين الجنوبي مما يشير إلى توجهها المستمر لتعزيز وجودها في أسواق الطاقة الدولية.