شهدت القارة الإفريقية في الآونة الأخيرة إعلانًا مهمًا يبعث الأمل في مستقبلها الطاقي وذلك بعد اكتشاف غاز طبيعي جديد في موزمبيق ويمثل هذا الاكتشاف إنجازًا هامًا ليس فقط لموزمبيق بل للقطاع الطاقي في أفريقيا بشكل عام حيث تعاني العديد من الدول الأفريقية من الأزمات المتتالية في مجالات الطاقة والنفط ويُعتبر اكتشاف الغاز في موزمبيق خاصة في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة وبداية جديدة لفرص كبيرة في الأسواق العالمية وخاصة في تأمين إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا بعد انقطاع الغاز الروسي ، وفي هذا المقال سنتناول بالتفصيل الاكتشاف الجديد وأبعاده الاقتصادية والتحديات التي تواجه قطاع الغاز في موزمبيق.
تفاصيل الاكتشاف الجديد للغاز في موزمبيق
في يوم 11 مايو 2023 أعلنت شركة ساسول الجنوب إفريقية عن اكتشاف غاز طبيعي في بئر “بونيتو-1” الاستكشافية الواقعة في حوض موزمبيق البري وتم حفر البئر بين 25 مارس و5 أبريل 2023 وهي تعد البئر الثانية التي تقوم ساسول بحفرها في منطقة الامتياز “بي تي 5-سي” التي تم منحها لها من قبل حكومة موزمبيق في جولة الترخيص الخامسة للتنقيب عن الغاز في أكتوبر 2018 ويقع الاكتشاف الجديد بين حقلي “باندي” و”تاماني” على عمق 1934 مترًا وهو يأتي ليعزز من احتياطيات موزمبيق الغازية التي تعتبر ثالث أكبر احتياطيات مؤكدة في قارة أفريقيا بعد نيجيريا والجزائر وهذا الاكتشاف يعطي فرصة جديدة لموزمبيق لتعزيز مكانتها في السوق العالمي للغاز ويفتح الباب أمام تطوير مشروعات جديدة في هذا المجال.
أهمية اكتشاف الغاز في موزمبيق
تمثل احتياطيات الغاز في موزمبيق واحدة من أكبر آمال القارة الإفريقية في تحقيق نهضة اقتصادية من خلال صادرات الغاز الطبيعي ، فمنذ عام 2010 بدأت موزمبيق في اكتشاف احتياطيات ضخمة من الغاز وبدأت تطمح أن تصبح واحدة من أكبر 10 دول مصدرة للغاز في العالم ومع اكتشافات جديدة مثل “بونيتو-1” وتزداد فرص تحقيق هذا الهدف مما قد يساهم في تحسين البنية الاقتصادية للبلاد ويوفر فرصًا استثمارية هائلة ، ولكن ورغم هذه الفرص الواعدة فإن قطاع الغاز في موزمبيق يواجه تحديات تتعلق بالأمن والاستقرار السياسي ، فالنزاعات المسلحة في المناطق القريبة من مشروعات الغاز قد تهدد استمرارية تلك المشاريع مما يتطلب حلولًا فعالة للتعامل مع هذه التحديات الأمنية.
مشاركة ساسول في التنقيب عن الغاز
تعد شركة ساسول الجنوب إفريقية واحدة من الشركات الرائدة في مجال التنقيب والإنتاج في موزمبيق وتمتلك ساسول 70% من حقوق الامتياز في منطقة “بي تي 5-سي” ، بينما تمتلك شركة النفط الوطنية في موزمبيق “إمبريسا ناشيونال دي هيدروكربونيتوس” (إي إن إتش) النسبة المتبقية وعلى الرغم من أن ساسول قد أوقفت خططها لتطوير مشروع خط أنابيب غاز يربط جنوب أفريقيا بشمال موزمبيق في 2022 فإن الاكتشاف الأخير يفتح أبوابًا جديدة للشركة لتعزيز دورها في سوق الغاز الطبيعي وخاصة في ظل النمو المتسارع في الطلب على الغاز في أوروبا.
الغاز الموزمبيقي ودوره في أمن الطاقة الأوروبي
في وقت يشهد فيه العالم أزمة طاقة متفاقمة بسبب الصراع الروسي الأوكراني أصبح الغاز الموزمبيقي أحد مصادر الإمداد البديلة لأوروبا ، ففي نوفمبر 2022 أعلنت موزمبيق عن بدء تصدير الغاز الطبيعي المسال عبر مصنع “كورال سول” وهو أول مشروع عائم لإنتاج الغاز المسال في المياه العميقة قبالة سواحل القارة الإفريقية وتُدير مجموعة إيني الإيطالية هذا المصنع الذي يملك قدرة إنتاج تصل إلى 3.4 مليون طن من الغاز المسال سنويًا ، ويعتبر هذا التطور خطوة هامة في تعزيز أمن الطاقة الأوروبي حيث يسعى الاتحاد الأوروبي لتقليل اعتماده على الغاز الروسي وقد أصبحت موزمبيق أحد الموردين الجدد لهذا الغاز في وقت حساس والرئيس التنفيذي لشركة إيني كلاوديو ديسكالزي اعتبر بدء تصدير الغاز من موزمبيق خطوة هامة في إستراتيجية الشركة لضمان أمن الطاقة في أوروبا.
التحديات المستقبلية أمام قطاع الغاز في موزمبيق
على الرغم من إمكانيات النمو الهائلة التي يتيحها اكتشاف الغاز في موزمبيق إلا أن هناك تحديات كبيرة قد تؤثر على استدامة هذا القطاع ، فالنزاعات المحلية مع الجماعات المتمردة في المناطق القريبة من حقول الغاز تمثل تهديدًا كبيرًا لاستمرار الاستثمارات في هذا المجال ، بالإضافة إلى ذلك تحتاج المشروعات الغازية في موزمبيق إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية لضمان قدرتها على تلبية الطلب العالمي ، ومن ناحية أخرى يشير الخبراء إلى أن من الضروري أن تعمل حكومة موزمبيق مع الشركات العالمية على تحسين بيئة الأعمال وتوفير حلول فعالة للأمن خاصة في مناطق الإنتاج والتصدير.
التوجهات المستقبلية لشركة ساسول
على الرغم من أن شركة ساسول قد قررت التخلي عن مشروع خط أنابيب الغاز الذي كان سيربط جنوب أفريقيا بشمال موزمبيق في عام 2022 إلا أنها تواصل تركيز جهودها على تطوير مشاريع الغاز الطبيعي المسال ، وساسول التي تعد ثاني أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري في جنوب أفريقيا تواصل السعي نحو تحقيق أهدافها في تقليل انبعاثات الكربون حيث تستهدف تقليص الانبعاثات بنسبة 30% بحلول عام 2030 ، وفي هذا السياق ترى الشركة أن الغاز الطبيعي هو مصدر مهم للطاقة ولكنه لا يتماشى مع أهداف الحياد الكربوني طويل الأمد.