شهد العام الماضي بعض النشاط الشمسي الكبير وكان هذا صحيحًا بشكل خاص خلال شهر مايو، الذي شهد أكثر من 350 عاصفة شمسية، وهبات شمسية، وعواصف جيومغناطيسية.
وشمل ذلك أقوى عاصفة شمسية منذ 20 عامًا أنتجت الشفق القطبي عند خطوط عرض أقل بكثير من المعتاد وأقوى هبات شمسية جرى رصدها منذ ديسمبر 2019.
قياس ضربات الشمس قديمًا وحديثًا
ونظرًا للتهديد الذي تشكله على الاتصالات اللاسلكية وشبكات الطاقة وأنظمة الملاحة والمركبات الفضائية ورواد الفضاء، فإن العديد من الوكالات تراقب سلوك الشمس بنشاط لمعرفة المزيد عن سلوكها على المدى الطويل.
ومع ذلك، لم يحدد علماء الفلك بعد ما إذا كانت الشمس قادرة على إنتاج «هبات فائقة» أو عدد مرات حدوثها.
وفي حين أن حلقات الأشجار وعينات الجليد التي يبلغ عمرها آلاف السنين فعالة في تسجيل أقوى الهبات الفائقة، إلا أنها ليست طرقًا فعالة لتحديد ترددها، ولم تكن القياسات المباشرة للنشاط الشمسي متاحة إلا منذ عصر الفضاء.
في دراسة حديثة، تبنى فريق دولي من الباحثين نهجًا جديدًا من خلال تحليل بيانات تلسكوب كيبلر الفضائي عن عشرات الآلاف من النجوم الشبيهة بالشمس، يقدرون أن النجوم تنتج توهجات فائقة مرة واحدة كل قرن.
أجرى الدراسة عدد من المؤسسات وهم: معهد ماكس بلانك لأبحاث النظام الشمسي MPS بألمانيا، ومرصد سودانكيلا الجيوفيزيائي بفنلندا، ووحدة أبحاث الفيزياء والفضاء في جامعة أولو، والمرصد الفلكي الوطني في اليابان NAOJ، ومختبر الفيزياء الجوية والفضائية LASP في جامعة كولورادو بولدر الأمريكية، والمرصد الشمسي الوطني NSO الأمريكي، ومفوضية الطاقة الذرية والبديلة في جامعة باريس ساكلي وجامعة باريس سيتي، وجامعات متعددة.
حدث كارينجتون مرجع بحثي لعلماء الفلك
ظهرت الورقة البحثية التي تناولت بحثهم مؤخرًا في مجلة Science، فيما تتميز التوهجات الفائقة بكمية الإشعاع المكثفة التي تنبعث منها، حوالي 1032 Erg (إرج وهي وحدة من وحدات الطاقة الحرارية)، أو 6.2444 إلكترون فولت.
للمقارنة، فكر العلماء في حدث كارينجتون عام 1859، وهو أحد أعنف العواصف الشمسية في المائتي عام الماضية. في حين تسبب هذا الوهج الشمسي في اضطراب واسع النطاق، مما أدى إلى انهيار شبكات التلجراف للاتصالات في شمال أوروبا وأمريكا الشمالية، إلا أنه أطلق فقط جزءًا من مائة من طاقة الوهج الفائق.
في حين سجلت حلقات الأشجار الأرضية والعينات الجليدية أحداثًا قوية في الماضي، وهما وسيلتان يستخدمهما علماء الفلك للتعرف على التغيرات المناخية وأحداث الطبيعة، كما ساعد تلسكوب كيبلر الفضائي، في مراقبة آلاف النجوم في وقت واحد لاكتشاف مدى تكرار حدوث أقوى الوهج، إذ راقب حوالي 100000 نجم من التسلسل الرئيسي بشكل مستمر لسنوات بحثًا عن علامات انخفاضات دورية تشير إلى وجود كواكب خارجية.
سجلت نفس هذه الملاحظات عددًا لا يحصى من الوهج الشمسي، والتي ظهرت في البيانات الرصدية على شكل قمم قصيرة وواضحة في السطوع.
كما أوضح الأستاذ الدكتور سامي سولانكي، المؤلف المشارك في البحث: «لا يمكننا مراقبة الشمس على مدى آلاف السنين. ولكن بدلًا من ذلك، يمكننا مراقبة سلوك آلاف النجوم المشابهة جدًا للشمس على مدى فترات قصيرة من الزمن. وهذا يساعدنا في تقدير مدى تكرار حدوث التوهجات الفائقة».
ما الذي وصل إليه تلسكوب كيبلر؟
في دراستهم، حلل الفريق البيانات التي حصل عليها كيبلر من 56450 نجمًا شبيهًا بالشمس بين عامي 2009 و2013.
وتألف هذا من تحليل الصور بعناية بحثًا عن علامات التوهجات الفائقة المحتملة، والتي كانت بحجم بضعة بكسلات فقط، وكان الفريق حريصًا أيضًا في اختيار النجوم، مع مراعاة تلك التي كانت درجة حرارة سطحها وسطوعها مماثلة لدرجة حرارة الشمس وسطوعها.
كما استبعد الباحثون مصادر الخطأ المحتمل، بما في ذلك الإشعاع الكوني، والظواهر العابرة (الكويكبات أو المذنبات)، وأنواع أخرى من النجوم التي تتوهج بالقرب من نجم شبيه بالشمس. في المجموع، قدمت بيانات كيبلر للفريق دليلًا على 220 ألف عام من النشاط النجمي.
انفجارات
ومن خلال هذا، تمكنوا من تحديد 2889 انفجارًا هائلًا من 2527 من النجوم التي جرى رصدها، ما أدى إلى إنتاج متوسط انفجار هائل واحد لكل نجم في القرن الواحد.
وفي حين وجدت المسوحات السابقة فترات متوسطة تبلغ ألف أو حتى عشرة آلاف عام، لم تتمكن هذه الدراسات من تحديد المصدر الدقيق للانفجارات الهائلة التي تم رصدها، كما كان عليهم أن يقتصروا على النجوم التي لا يوجد بها أي جيران قريبين، مما يجعل هذه الدراسة الأخيرة الأكثر دقة وحساسية حتى الآن.
ومع ذلك، أسفرت الدراسات السابقة التي نظرت في الأدلة غير المباشرة والملاحظات التي أجريت في العقود القليلة الماضية عن فترات أطول بين الانفجارات الهائلة.
كلما أطلقت الشمس مستوى عاليًا من الجسيمات النشطة التي وصلت إلى الغلاف الجوي للأرض في الماضي، أنتج التفاعل كمية قابلة للكشف من الكربون المشع 14 (C14).
انفجار في هذا الموعد
سيبقى هذا النظير في عينات الأشجار والجليد على مدى آلاف السنين من التحلل البطيء، مما يسمح لعلماء الفلك بتحديد الأحداث الشمسية القوية ومدة حدوثها. سمحت هذه الطريقة للباحثين بتحديد خمسة أحداث جسيمية شمسية متطرفة وثلاثة مرشحين خلال الاثني عشر ألف سنة الماضية، ما يشير إلى معدل متوسط يبلغ انفجارًا واحدًا كل 1500 عام.
ومع ذلك، يعترف الفريق بأن من الممكن أن تكون أحداث الجسيمات الشمسية الأكثر عنفًا والتوهجات الفائقة قد حدثت في الماضي.
قال المؤلف المشارك البروفيسور دكتور إيليا أوسوسكين من جامعة أولو في فنلندا: «من غير الواضح ما إذا كانت التوهجات العملاقة مصحوبة دائمًا بانبعاثات كتلة إكليلية (تحصل بإطلاق كميات هائلة من المواد والمجالات المغناطيسية والإشعاع الكهرومغناطيسي في الفضاء فوق سطح الشمس) وما هي العلاقة بين التوهجات الفائقة وأحداث الجسيمات الشمسية المتطرفة.. هذا يتطلب مزيدًا من البحث».
في حين أن الدراسة الجديدة لا تكشف عن موعد تجربة الشمس للتوهج الفائق التالي، فإن النتائج تحث على الحذر.
قالت المؤلفة المشاركة الدكتورة ناتالي كريفوفا من MPS: «البيانات الجديدة هي تذكير صارخ بأن حتى الأحداث الشمسية الأكثر تطرفًا هي جزء من ذخيرة الشمس الطبيعية». خلال ذلك، فإن أفضل طريقة للبقاء على استعداد هي مراقبة الشمس بانتظام لضمان التنبؤ الموثوق والتحذير المسبق.
بحلول عام 2031، سيجري تعزيز هذه الجهود من خلال مسبار Vigil التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، والذي تساعده MPS من خلال تطوير أداة التصوير الاستقطابي والمغناطيسي (PHI).
نقلا عن جريدة العقارية