يقبع منجم أرجيل في أستراليا الغربية حاملاً في جوفه كنزاً حقيقياً لا يقدر بثمن ويُعد هذا المنجم أكبر منجم للألماس على وجه الأرض وهو ليس فقط الأكبر من حيث الحجم ولكن أيضًا الأندر والأغلى وبفضل احتوائه على أكبر مخزون من الماس الوردي الذي تم اكتشافه في العالم مع كل قيراط يتم استخراجه من هذا المنجم وتزداد قيمة هذا الكنز ويستمر الحديث عن أسطورة الماس الوردي الذي أصبح رمزًا للثروة والجمال.
اكتشاف منجم أرجيل
في عام 1979 اكتشف العلماء منجم أرجيل في منطقة نائية من شمال شرق أستراليا الغربية تحديدًا بالقرب من بحيرة أرجيل على بُعد حوالي 550 كيلومترًا جنوب شرق مدينة داروين وكان هذا الاكتشاف بمثابة فتح باب جديد لعالم الأحجار الكريمة حيث تبين أن المنجم يحتوي على أكبر مخزون من الماس الوردي الذي لا يوجد مثله في أي مكان آخر على سطح الأرض على مدار 37 عامًا واستمر استخراج الماس من هذا المنجم ليصل إجمالي الإنتاج إلى أكثر من 865 مليون قيراط أي ما يعادل حوالي 191 طنًا من الماس الخام بمختلف ألوانه.
كيف يتشكل الماس الوردي
الماس الوردي ليس مجرد حجر كريم نادر بل هو نتيجة لظروف جيولوجية فريدة وعلى عكس الماس الأزرق أو الأصفر الذي يتلون بسبب الشوائب التي تتسلل إلى بنية البلورة مثل النيتروجين والبورون ويحصل الماس الوردي على لونه بفضل العمليات الجيولوجية التي تشوه بنيته البلورية وهذه التشوهات تحدث عندما تتعرض البلورة لضغوط هائلة ودرجات حرارة مرتفعة خلال الاصطدامات التكتونية التي تؤثر على شكلها بينما يبدو الماس الوردي كأنه تدرج من اللون الوردي الفاتح إلى الغامق إلا أن كل قطعة من هذا الماس تحمل خصائص فريدة تجعلها غالية جدًا.
الماس الوردي كمصدر للثروة
تعتبر الماسات الوردية من أندر الماسات في العالم ولهذا السبب فإنها تحظى بقيمة مالية مرتفعة للغاية ويمكن أن يتجاوز سعر القيراط الواحد من الماس الوردي مليونين من الدولارات مما يجعله واحدًا من أغلى الأحجار الكريمة ووفقًا لجمعية الأحجار الكريمة الدولية فإن هذا النوع من الماس يعتبر من أهم رموز الفخامة والثراء وبسبب ندرته يعتبر منجم أرجيل مصدرًا هامًا لصناعة المجوهرات العالمية حيث كانت العديد من قطع المجوهرات الفاخرة تعتمد على الماس الوردي الذي استخرج من هذا المنجم.
الموقع الجغرافي لمنجم أرجيل والتكوين الجيولوجي له
منجم أرجيل يقع في منطقة نائية شمال شرق أستراليا الغربية وهي منطقة جغرافية بعيدة عن المدن الكبرى مما يجعل الوصول إليها تحديًا كبيرًا ، وإلى جانب ذلك فإن منجم أرجيل يمتد بالقرب من بحيرة أرجيل في مكان معزول عن المناطق السكنية ولكن هذه المنطقة النائية تعد مهدًا لثروة هائلة من الماس الوردي الذي شكل سمعة المنجم كأكبر مصدر لهذا النوع من الأحجار الكريمة في العالم ، ويتميز منجم أرجيل بتكوينات صخرية غير معتادة حيث يحتوي على صخور لامبرويت الزبرجد وهي نوع من الصخور البركانية التي تختلف تمامًا عن الصخور الكيمبرليتية التي تحتوي على الماس في معظم الأماكن الأخرى وتقع الصخور في هذا الموقع على حافة القارة وليس في منتصفها كما هو معتاد مما يضيف إلى غرابة هذا المنجم ، ووفقًا للبحوث الجيولوجية وتم تأريخ الصخور في منجم أرجيل ليتم تحديد عمرها بين 1.1 إلى 1.3 مليار سنة وهو عمر قد يبدو مذهلًا بالنظر إلى أن معظم الماس يتم تكوينه في فترات زمنية أقل مما جعل هذا الاكتشاف مثيرًا هو أن الصخور التي تحمل الماس الوردي هي دليل على تصادم الصفائح التكتونية الذي أدى إلى تشوه الشبكة البلورية للماس وتحويله إلى هذا اللون الوردي الفريد.
كيف أثر التصادم التكتوني على الماس الوردي
تشير الأبحاث إلى أن الماس الوردي في منجم أرجيل هو نتاج اصطدامات تكتونية حدثت منذ أكثر من مليار سنة حيث اصطدمت قطعتان من قشرة الأرض مكونتين القارة العملاقة “نونا” وهذه الاصطدامات نتج عنها تغييرات هائلة في ضغط ودرجة الحرارة مما أدى إلى تشكيل الماس الوردي ، وتعتبر هذه العمليات الجيولوجية بمثابة لحظات حاسمة في تاريخ الأرض حيث شكلت الأساس لظهور هذا الكنز النادر وبعد هذه الاصطدامات بدأ سطح الأرض يتغير بشكل كبير مع تحرك الصفائح التكتونية بعيدًا عن بعضها البعض مما سمح للصخور التي تحتوي على الماس الوردي بالظهور تدريجيًا إلى سطح الأرض وهذا يعد أحد الأدلة العلمية المهمة على تشكل القارات القديمة وهو جزء من فهم تطور كوكب الأرض.
نهاية عصر الألماس الوردي
رغم الثراء الذي جلبه منجم أرجيل لصناعة الأحجار الكريمة والمجوهرات فإن المنجم أُغلق في عام 2020 بسبب تناقص إمدادات الماس وارتفاع تكاليف التشغيل وأُغلق المنجم بعد أن بدأ مخزون الماس الوردي النادر في التناقص بشكل كبير مما جعل استمراره في العمل غير اقتصادي ، ومع ذلك سيظل منجم أرجيل خالداً في الذاكرة كأحد أكبر الاكتشافات الجيولوجية التي أثرت في العالم بأسره.