في إحدى الجامعات، كان هناك طالب يدعى “سامي”، وهو طالب مجتهد في دراسته، ولكنه كان يميل إلى التحدي في بعض الأحيان، وكان أستاذه الدكتور مصطفى، معروفا بجديته وصرامته في التدريس، وكان دائما يطالب طلابه بأن يكونوا ملتزمين ومهتمين بالتفاصيل الدقيقة.
سؤال الأستاذ لطلابه
في أحد الأيام، أثناء محاضرة عن الفلسفة الحديثة، طرح الدكتور مصطفى سؤالا على طلابه:
“ما هو رأيكم في فكرة “الوجود” كما عبر عنها الفيلسوف الألماني هيجل؟”
رفع سامي يده فورا للإجابة، وقال بحماسة: “أعتقد أن هيجل كان محقا تماما في رؤيته للوجود، ولكن في الواقع نحن اليوم نعيش في زمن لا يمكننا فيه الاعتماد على الأفكار القديمة، والعالم تغير والتكنولوجيا أصبحت تعطي إجابات أسرع وأكثر دقة، ولذا أفكار هيجل عن الوجود قد تكون قديمة ولا تواكب العصر الحالي، وربما نحتاج إلى إعادة التفكير في كل شيء بطريقة جديدة، بعيدة عن الفلسفة التقليدية.”
ابتسم الدكتور مصطفى، لكن ابتسامته كانت تحمل بعض التوتر. نظر إلى سامي ثم قال بصوت هادئ لكنه حازم: “أنت بالطبع حر في رأيك، ولكن يجب أن تدرك أن الفلسفة ليست مجرد أفكار قديمة يمكن تجاهلها بسهولة لمجرد أن العصر قد تغير، والفلسفة هي الأداة التي تتيح لنا فهم وتفسير هذا العالم المتغير، وإذا كان لديك اعتراض حقيقي على الأفكار التي طرحتها، يجب أن تكون قادرا على تقديم تحليل أعمق لا مجرد تعليق سطحي.”
فكر سامي لوهلة، ثم رد بغرور: “لكن يا أستاذ، العلم اليوم أصبح يتفوق على الفلسفة. التكنولوجيا والبحوث العلمية هي التي تغير الحياة، وليس الأفكار الفلسفية القديمة.”
رد فعل الدكتور على الإجابة
وهنا تغيرت ملامح وجه الدكتور مصطفى بشكل واضح، وقال بهدوء ولكن بحزم: “سامي، العلم لا ينكر الفلسفة، بل هو بناء عليها، وإذا كنت تفكر أن التكنولوجيا هي الحل لكل شيء، فهذا يعني أنك لم تفهم معنى الفلسفة ولم تدرك دورها في تطوير الفكر الإنساني. هناك فرق كبير بين التقدم العلمي والتفكير النقدي الفلسفي.”
في تلك اللحظة، شعر سامي بتوتره، لكن الأستاذ لم يكتفِ بتلك الإجابة فقط. وأضاف: “إذا كنت ترى أن الفلسفة ليس لها دور اليوم، ربما عليك إعادة النظر في دراستك لتفهم أعمق.”
صمتت القاعة لبرهة، وكانت نظرات الطلاب تتنقل بين سامي والدكتور مصطفى، وسامي شعر بالخجل، لكنه رغم ذلك لم يعتذر، وعرف في قرارة نفسه أن عليه أن يعيد التفكير في موقفه.