في إنجاز علمي مهم يعزز فهمنا للحضارة المصرية القديمة، كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة “Communications Earth & Environment” عن وجود مجرى قديم لنهر النيل قد يكون له دور كبير في بناء أهرامات الجيزة وهذا الاكتشاف، الذي استند إلى بيانات الأقمار الاصطناعية الرادارية، يفتح نافذة جديدة لفهم كيفية نقل المصريين القدماء المواد اللازمة لتشييد هذه الصروح العملاقة قبل أكثر من 4000 عام.
مجرى نهري ضخم بجوار أهرامات الجيزة يكشف أسرار جديدة عن الحضارة الفرعونية
اكتشف العلماء مجرى نهري قديم يُعرف الآن بـ”الأهرامات”، كان طوله يبلغ 64 كيلومترًا ويتراوح عرضه بين 200 و700 متر، وكان يتدفق بجانب نحو 30 هرمًا في مصر القديمة، بما في ذلك أهرامات الجيزة الشهيرة وكان هذا الممر المائي مدفونًا تحت الأراضي الزراعية ورمال الصحراء، وقد تم تحديده باستخدام صور التقطتها أقمار اصطناعية رادارية، التي تتميز بقدرتها على الكشف عن الهياكل القديمة المدفونة تحت الأرض.
سبب وجود الأهرامات في منطقة الجيزة
يشير هذا الاكتشاف إلى أن وجود هذا المجرى هو ما جعل منطقة الجيزة وجهة مميزة لبناء الأهرامات. فقد ساهم هذا النهر في تسهيل نقل الأحجار العملاقة من جنوب مصر إلى الجيزة عبر استخدام نظام الطفو على الأخشاب، وهي تقنية اعتمدها المصري القديم في استغلال ارتفاع منسوب النيل وقت الفيضان.
وفقًا للدراسة، فإن هذا المجرى النهري، الذي كان يُغذي سهول الجيزة الفيضان، قد سهّل إنشاء الأهرامات التي بُنيت على مسافة كيلومتر واحد تقريبًا من ضفافه.
تأكيد النظرية باستخدام تقنيات حديثة
صرّح مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار المصرية، أن هذا الكشف أثبت نظرية كان يتبناها معظم الباحثين عن الحضارة المصرية، وهي أن المصريين القدماء استخدموا ممراً مائياً قريباً لنقل الكتل الحجرية الضخمة. وأضاف شاكر أن المصري القديم كان يُعَدُّ خبيرًا في استغلال الموارد الطبيعية، حيث صمم قنوات مائية مؤقتة ورفع مستوى النيل باستخدام الفيضانات لتسهيل بناء المعابد والأهرامات.
دور الأقمار الاصطناعية في الكشف
أوضحت إيمان غنيم، المعدة الرئيسية للدراسة من جامعة نورث كارولينا، أن الصور الرادارية المُلتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية كانت أداة أساسية في رسم خريطة دقيقة لهذا المجرى المدفون. وتبرز هذه التقنية قدرتها على كشف معالم قديمة مدفونة، والتي كانت ستبقى خفية لولا التكنولوجيا الحديثة.
موانى نهرية وممرات مرتفعة
أظهرت الدراسة أيضًا أن العديد من الأهرامات، بما في ذلك تلك الموجودة في الجيزة، بُنيت على السهول الفيضية، وكانت مرتبطة بممرات مرتفعة تقود إلى معابد تقع على ضفاف النهر. هذه المعابد كانت بمثابة موانٍ نهرية تستخدم لنقل العمال والمواد اللازمة للبناء.
أهمية الاكتشاف
هذا الكشف لا يقتصر فقط على تفسير كيفية بناء الأهرامات، بل يسلط الضوء على العبقرية الهندسية للمصريين القدماء في استغلال الموارد الطبيعية. كما يفتح الباب أمام المزيد من الأبحاث لفهم التغيرات الجغرافية والمائية التي أثرت على الحضارة المصرية.