يسيطر الهاجس البيئي بشكل دائم على عقول الشركات الصانعة للمحركات، سواء أكانت محركات سيارات بأنواعها وأحجامها المختلفة أو محركات قطارات أو طائرات، حيث يمكن اختبار ملائمة السيارات وصداقتها للبيئة من خلال اختبار الغازات المنبعثة من عوادمها من حيث التكوين واللون، وحتى أن لون هذه الانبعاثات قد يشير في بعض الأحيان إلى عطل في محرك السيارة وقد ينذرك بخطر كبير.
ولكن بالنسبة للطائرات، فالكثير مننا لا نعلم شيئا عن انبعاثات محركات الطائرات، فنحن في الغالب لا نرى شيئا من تلك الانبعاثات خلف محركاتها، وفيما تحلق بعض الطائرات في السماء يمكن أن تخلف وراءها مسارات تبدو كالدخان ولكن لا داعي للقلق، حيث أن المسارات معظمها تكاثف ومن هنا جاء الاسم «مسارات التكثف».
لماذا تترك الطائرات آثاراً بيضاء خلفها في السماء؟
والجدير بالإشارة أنه عند عمل المحرك، يخرج منه كمية كبيرة من الماء والقليل من الهباء الجوي إلى الهواء، إذ يتكون مسار التكثف عند تكاثف بخار الماء ويتجمد حول جزيئات صغيرة تكونت من عادم المحرك، علاوة على أن الجزيئات والماء تسبب في تكوين مسار التكثف، كما لا تشارك بعض العناصر في الغاز في تشكيل مسار التكثف، إلا إنها تعتبر من ملوثات للبيئة.
وتشمل انبعاثات الطائرة في العادة على غاز ثاني أكسيد الكربون، وبخار الماء، وأكسايد النيتروجين (NOx)، وأول أكسيد الكربون، وهيدروكربونات كالميثان، وكبريتات(Sox)، وجزيئات سخام ومعادن، وتقوم طائرات مثل البوينغ 747 بإطلاق كميات كبيرة من الماء، نحو 7.75 كيلوغرام في الثانية.
أنواع مسارات التكثف
بالإضافة إلى أن مسارات التكثف تكون متشابهة للغاية من حيث التركيب، إلا أنه قد تختلف كثيرًا بالعمر، وذلك لأن الطقس يؤثر بشكل مباشر على مدة بقاء مسار التكثف، ويتم تصنيف مسار التكثف بشكل عام في ثلاث إلى: قصير العمر، متواصل (غير المنتشر)، متواصل منتشر.
مسار التكثف القصير العمر
ويعتبر مسار التكثف القصير العمر كخيوط بيضاء صغيرة تعقب الطائرة، ومثلما يوحي اسمها، تظل المسارات لدقائق قليلة قبل اختفائها بنفس السرعة التي تشكلت بها، ويحدث ذلك عندما يكون الهواء الذي تسافر عن طريقه الطائرة رطبًا قليلًا بكمية قليلة من بخار الماء، مما تعود جزيئات الجليد المتشكلة بسرعة حالتها الأصلية كبخار.
مسار التكثف المتواصل (غير المنتشر)
أما عن مسار التكثف المتواصل فهو عبارة عن خطوط بيضاء أطول تظل مرئية لفترة طويلة حتى بعد أن تختفي الطائرة، ويحدث ذلك عندما يكون الهواء التي تنتقل خلاله الطائرة رطبًا نوعًا ما مع توافر كميات كبيرة من بخار الماء كافية لخلق المسار.
مسار التكثف المتواصل المنتشر
هذا المسار يشبه المسارات غير المنتشرة، إلا أنه ينتشر على مسافة أكبر نتيجة اضطرابات أو حالات جوية أخرى، كما أن مساحة انتشاره الكبيرة وعمره الطويل يجعله الأكثر احتمالًا لأن يؤثر في المناخ.
كما أن أقارب مسار التكثف متشابهة إلا أنها تختلف قليلًا في العملية الفيزيائية التي تكونها، وأكثرها شهرةً هي آثار البخار التي تمتد من طرف جناح الطائرة النفاثة، في العادة أثناء الإقلاع أو الهبوط إذا سمح الطقس، وفي حالة إذا انخفض ضغط الدوامة في نهاية طرف الجناح كفاية، فيتشكل مسار، اما في الظروف المناسبة، يتم تشكيل المياه السائلة قطراتٍ داخل الدوامة وبالتالي يجعلها مرئية، إلا أنها تتبخر بسرعة بعد تشكلها.
هل مسار التكثف خطير؟
ويذكر، أن مسار التكثف الاعتيادي الذي نشاهده خلف الطائرات ليس خطيرًا، حيث أن مكوناته الأساسية معظمها ماء، إلى جانب أن وقود الطائرات النفاثة مكرر عدة مرات للتخلص من أكبر كمية ممكنة من الملوثات، وداخل المحرك، لا بد من أن تتدفق كمية ضخمة من الوقود بسرعة ضمن حجرة الاحتراق للمحافظة على دوران العنفات.