حققت المملكة العربية السعودية تقدماً هائلًا في مجال تحلية المياه، حيث تجاوزت حدود الجغرافيا وأصبحت في طليعة الدول المنتجة للمياه العذبة المحلاة وعلى مدار نحو 120 عامًا من العمل الدؤوب، استطاعت المملكة أن تكون الأولى عالميًا في إنتاج المياه العذبة من مياه البحر، وتحقيق طفرة نوعية في هذا المجال الحيوي.
نهر سعودي صناعي عملاق يمر عبر الصحراء ويتفوق على نهر النيل في مصر
تعود بداية تاريخ المملكة مع تحلية المياه إلى عام 1905، حين تم إنشاء أول وحدة لتكثيف وتقطير مياه البحر باستخدام تقنية بسيطة لزيادة مصادر المياه العذبة. وقد أُطلق على هذه الوحدة اسم “الكنداسة”، وكان الهدف الرئيسي من إنشائها هو دعم مصادر المياه العذبة في محافظة جدة.
وفي خطوة متقدمة، تم إصدار أوامر ملكية في عام 1927 لاستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر بنفس التقنية، وذلك لتعزيز إمدادات المياه العذبة في جدة، خاصة في مواسم الحج والعمرة. من خلال هذه التحركات، وضعت المملكة الأسس الأولى لتطوير قطاع تحلية المياه، الذي أصبح لاحقًا أحد ركائز استدامة المياه في المملكة.
مملكة تحلية المياه: الإنتاج والابتكار
اليوم، تعد المملكة العربية السعودية أكبر منتج للمياه العذبة المحلاة في العالم، حيث تنتج أكثر من 11.5 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يوميًا. هذا الإنتاج الضخم يضع المملكة في موقع ريادي عالمي في مجال تحلية المياه، مع قدرة غير مسبوقة على تلبية احتياجاتها المائية، وضمان استدامتها في هذا المجال.
ولعل أحد أبرز الإنجازات التي حققتها المملكة هو امتلاك أكبر شبكة لنقل المياه العذبة في العالم. يبلغ طول هذه الشبكة 14,217 كيلومترًا، وهو ما يعادل ضعف طول نهر النيل. وتُعتبر هذه الشبكة العملاقة مكونًا أساسيًا في توفير المياه العذبة للمناطق المختلفة في المملكة، بما في ذلك المناطق الداخلية والجبال، حيث يتم ضخ المياه من محطات التحلية الساحلية إلى هذه المناطق عبر نظام نقل مائي معقد.
التحديات والابتكارات التقنية
ما يميز نظام نقل المياه في المملكة هو أنه يعمل ضد الجاذبية، بعكس أنهار النيل والتايمز التي تتدفق بشكل طبيعي بفضل الجاذبية الأرضية. تقوم المملكة بضخ المياه من محطات التحلية الواقعة على السواحل إلى المناطق الداخلية على ارتفاعات تصل إلى 3000 متر. هذه التقنية المتطورة تتطلب قدرات ضخ هائلة، بالإضافة إلى نظام معقد من الصمامات والمحطات الفرعية لضمان استمرارية النقل بدون انقطاع.
رؤية المملكة 2023: الاستدامة والتطوير المستقبلي
تتماشى هذه الإنجازات مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي تسعى إلى تحقيق استدامة شاملة وتنمية متوازنة في مختلف القطاعات. تعد المياه أحد الركائز الأساسية لهذه الرؤية، حيث تستهدف المملكة تطوير تقنيات جديدة في مجال تحلية المياه، وزيادة إنتاجها من المياه العذبة لتلبية احتياجات الأجيال القادمة، مع ضمان الحفاظ على البيئة وتوفير الموارد الطبيعية بشكل مستدام.