في حدث يعد من أبرز وأهم الاكتشافات الأثرية في المنطقة، أعلنت البعثة الأثرية المصرية الفرنسية المشتركة بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة بول فاليري مونبلييه عن اكتشاف مجموعة من اللوحات والنقوش المصغرة لملوك مصر القديمة تحت مياه نهر النيل في أسوان وهذا الاكتشاف لم يكن فقط مذهلاً من حيث محتواه التاريخي، بل أثار أيضاً جدلاً علمياً على المستوى العالمي، لكونه يفتح نافذة جديدة لفهم عظمة الحضارة المصرية القديمة.
البحث في أعماق النيل: المشروع الفوتوغرافي الأول من نوعه
تم الكشف عن هذا الاكتشاف أثناء تنفيذ مشروع المسح الأثري الفوتوغرافي الأول من نوعه تحت مياه نهر النيل. يهدف هذا المشروع إلى دراسة النقوش الصخرية التي تقع بين خزان أسوان والسد العالي، وهو مشروع فريد من نوعه في مجال الدراسات الأثرية. ورغم أن النقوش قد تم اكتشافها لأول مرة في ستينيات القرن الماضي أثناء حملة إنقاذ آثار النوبة من أجل بناء السد العالي، إلا أن الدراسة المعمقة لهذه النقوش لم تبدأ إلا مؤخراً باستخدام تقنيات حديثة ومتطورة.
في تصريح له، أكد الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن البعثة بدأت أعمال موسمها الأول في المنطقة المحيطة بجزيرتي فيلة الأصلية وكونوسوس. وأوضح أن النقوش المكتشفة تتمتع بحالة حفظ ممتازة، ما يتيح للباحثين فرصة نادرة لدراسة هذه القطع الأثرية التي تحمل في طياتها تاريخاً غنياً ومهماً لحضارة مصر القديمة.
تقنيات حديثة لتوثيق الاكتشافات الأثرية
لقد أسهمت التقنيات الحديثة والمتطورة في توثيق الاكتشاف بشكل دقيق، مما مكن البعثة من دراسة النقوش المصغرة تحت مياه النيل. استخدمت البعثة تقنيات غوص متقدمة، بالإضافة إلى تقنيات المسح الأثري المتطور والتصوير الفوتوغرافي والفيديو تحت الماء، لتوثيق النقوش بشكل لم يكن متاحاً في السابق. كما اعتمد الفريق على تقنية التصوير المساحي الضوئي (فوتوجرامتري)، التي سمحت بإنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد دقيقة للمنطقة، ما سيسهم في التحليل العلمي الدقيق لهذه النقوش القيمة.
النقوش التاريخية: لمحات عن الملوك المصريين
النقوش التي تم اكتشافها تضم صوراً ونقوشاً تفصيلية لعدد من الملوك المصريين البارزين، مثل الملك أمنحتب الثالث، الملك تحتمس الرابع، الملك بسماتيك الثاني، والملك إبريس. يُعتبر هذا الاكتشاف نافذة جديدة لفهم فترات حكم هؤلاء الشخصيات التاريخية الهامة. وتعد هذه النقوش فرصة فريدة لدراسة فنون النقش التي أبدعتها الحضارة المصرية القديمة، حيث تتجسد فيها براعة الفن المصري في تصوير العظمة الملكية ومظاهر الحياة اليومية في العصور القديمة.
هذا الاكتشاف يكشف عن قدرة المصريين القدماء على الحفاظ على تراثهم الثقافي والتاريخي، ويعكس عظمة الحضارة التي استطاعت إنتاج مثل هذه الأعمال الفنية في عمق التاريخ وفي الوقت نفسه، يعزز من قيمة مشروع البحث المستمر في مجال الآثار المغمورة تحت الماء، ويُعتبر علامة فارقة في فهم تطور الحضارة المصرية وتاريخها المدهش.
تداعيات علمية وأثرية على الساحة العالمية
لا شك أن هذا الاكتشاف سيثير اهتماماً علمياً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والبحثية العالمية، حيث سيؤدي إلى مراجعة الكثير من الفرضيات المتعلقة بتاريخ مصر القديمة وتطوراتها. علاوة على ذلك، سيستمر العلماء في دراسة هذه النقوش باستخدام تقنيات حديثة ومتقدمة، لتفسير الرسائل التاريخية العميقة التي تحملها هذه الأعمال الفنية والنقوش.