تُعد العلا من أبرز المواقع الأثرية والتاريخية في المملكة العربية السعودية، والتي تعكس إرثًا إنسانيًا وطبيعيًا هائلًا، يكشف عن فصول من تاريخ الجزيرة العربية الطويل وفي السنوات الأخيرة، شكل مشروع “الجزيرة العربية الخضراء” نقطة تحول في فهمنا للبيئة والتاريخ البشري في المنطقة وتوصلت الدراسات البيئية والأثرية إلى أدلة على وجود بحيرة قديمة عميقة كانت ربما عذبة المياه، وتعود إلى عصر البلايستوسين الأوسط وهذه الأدلة تمثل جزءًا من سلسلة اكتشافات بيئية وأثرية، تكشف عن التغيرات المناخية التي مرت بها الجزيرة العربية وتأثيرها على الحياة البشرية والحيوانية.
اكتشاف ذهب ضخم في المملكة يهز العالم بأسره يساوي أكثر من 200 مليون دولار
أظهرت نتائج المشاريع البيئية والأثرية التي أُجريت في إطار “الجزيرة العربية الخضراء” أن الجزيرة العربية شهدت تغييرات مناخية كبيرة خلال عصر البلايستوسين. حيث تحولت الأجواء إلى أكثر رطوبة مما كانت عليه، مما ساعد على انتشار الإنسان في المنطقة وفي القارات الأخرى. هذا التغيير المناخي كان له تأثير بالغ في حياة الجماعات البشرية في الفترة الأشولية، الذين كانوا مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بمصادر المياه، وهي سمة بارزة للمجتمعات في العصر الحجري الأوسط.
موقع النسيم: نقطة انطلاق للكشف عن التاريخ البيئي
يُعد موقع النسيم في العلا من أقدم المواقع الأشولية في المملكة، وهو يكشف عن تفاصيل دقيقة حول حياة الإنسان القديم في المنطقة. تحتوي المنطقة على أدوات حجرية قديمة، مثل الفؤوس والرقائق الحجرية، التي يعود استخدامها إلى عصر البلايستوسين الأوسط. هذه الأدوات تشير إلى أن الإنسان كان يتردد على الجزيرة العربية عندما كانت مليئة بالمروج والأنهار. ويُعتقد أن الموقع كان يتضمن حوضًا عميقًا يحتوي على بحيرة جافة، وهي جزء من البيئة التي عاش فيها الإنسان.
دلالات الأدوات الحجرية
تم جمع حوالي 354 قطعة من الفؤوس الحجرية والرقائق الحجرية من الموقع، ما يوفر دلائل قوية على النشاط البشري في تلك الفترة. تشير الدراسات إلى أن هذه الأدوات كانت تُصنع من مادة الكوارتزيت المحلي، وهي مادة متوفرة في صحراء النفود. كما تم اكتشاف أن بعض الأدوات تم جلبها من خارج المنطقة، مما يدل على التنقل البشري بين المواقع المختلفة في العصر الحجري. هذه الأدوات قد تكون من أواخر عصر البلايستوسين الأوسط، وتحديدًا من الفترة بين 350,000 و250,000 سنة، والتي توافق المرحلة التاسعة من النظير البحري، حيث ذاب الجليد وتشكّلت بحيرات في مناطق صحراء النفود.
البيئة والحياة الحيوانية في العصور القديمة
تُظهر الدراسات أيضًا أن التنوع الكبير في الحيوانات، سواء الكبيرة أو الصغيرة، كان دليلاً على وجود بحيرات في المنطقة خلال فترات ذوبان الجليد. هذه البيئات الرطبة وفرت موائل غنية للثدييات، ما ساعد في جذب الإنسان الذي استقر حول مصادر المياه وموارد الصيد الوفيرة.