في أعماق المحيط الأطلسي، وعلى عمق 700 متر تحت سطح البحر، يقع أحد أكثر المواقع البحرية إثارة للدهشة والاكتشافات العلمية، والمعروف باسم “المدينة المفقودة” هذا الموقع، الذي تم التعرف عليه لأول مرة عام 2000، يتميز بتكويناته الفريدة التي تتخذ شكل أبراج كربوناتية شاهقة، تشبه الأشباح الزرقاء المتوهجة وسط الظلام البحري العميق.
يقع هذا التكوين الجيولوجي النادر على قمة جبل بحري غرب الحافة المنتصف الأطلسية، حيث تتفاعل الصخور العميقة مع مياه البحر، ما يؤدي إلى إطلاق غازات مثل الهيدروجين والميثان، وهي عملية مستمرة منذ أكثر من 120,000 عام وعلى الرغم من الظروف البيئية القاسية، والتي تشمل درجات حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية وانبعاثات كبريتية ومعدنية، فإن الحياة البحرية تزدهر في هذا المكان غير العادي.
حياة وسط الظروف القاسية
تحتوي “المدينة المفقودة” على نظام بيئي مميز، حيث تعيش كائنات ميكروبية نادرة تعتمد على التفاعلات الكيميائية بدلاً من ضوء الشمس، إلى جانب أنواع من القشريات والحلزونات التي تستوطن الفتحات الحرارية التي تقذف الغازات الحارة ويعتبر هذا النظام نموذجًا مثاليًا لفهم كيفية تكيف الكائنات الحية مع البيئات القاسية، وهو ما دفع العلماء إلى مقارنته بالظروف التي قد تكون موجودة على أقمار مثل “إنسيلادوس” التابع لزحل و”يوروبا” التابع للمشتري، وحتى كوكب المريخ في العصور القديمة.
تهديد وشيك للمدينة العريقة تحت البحر
ورغم الأهمية العلمية الفائقة لهذا الموقع، فإنه يواجه اليوم تهديدًا خطيرًا، حيث حصلت بولندا على حقوق التعدين في المنطقة المجاورة لـ”المدينة المفقودة”، ما يثير مخاوف من أن عمليات الاستخراج قد تؤدي إلى تدمير هذا النظام البيئي الفريد.
وفي ظل هذه التحديات، أطلق العلماء نداءً عالميًا لحماية الموقع من التدخلات البشرية، مطالبين بإدراجه ضمن قائمة التراث العالمي للحفاظ عليه للأجيال القادمة فبعد أن صمد لأكثر من مئة ألف عام، قد يصبح “المدينة المفقودة” ضحية جديدة للأنشطة البشرية التي تهدد أعاجيب الطبيعة المخفية في أعماق المحيطات.