قد تبدو بعض الظواهر اليومية مألوفة للغاية لدرجة أننا لا نتوقف عندها للتفكير في أسباب حدوثها، ومع ذلك، هناك بعض الأسئلة التي تلفت الانتباه بشكل كبير وتثير فضول الكثيرين، ليس لأنها ذات أهمية كبرى، ولكن لأنها تتعلق بأمور نعيشها يوميًا دون معرفة تفسيرها، ومن بين هذه التساؤلات التي قد خطرت في بالك يوما: لماذا يتكون الوبر أو “القطن” في سرة البطن؟ ولماذا لا يحدث الشيء نفسه في مناطق أخرى من الجسم؟ قد يبدو الأمر غريبًا، لكنه بالفعل استدعى اهتمام الباحثين والعلماء، بل ودفع أحد العلماء النمساويين إلى إجراء دراسة استغرقت سنوات للوصول إلى الإجابة الحقيقية نقدمها لكم عبر موقعنا الزهراء.
لماذا يتكون القطن في سرة البطن
لم يكن هذا التساؤل مجرد فضول عابر، بل كان موضوعا لدراسة علمية طويلة أجراها العالم النمساوي جورج ستينهاوس، الذي قرر أن يخصص جزء من أبحاثه للإجابة عن هذا السؤال الذي حيّر الناس لعقود، استمرت دراسته لأكثر من عامين، حيث قام بتحليل الأسباب التي تجعل الوبر يتراكم في السرة مقارنة بباقي أجزاء الجسم، وخرج بنتائج مثيرة تفسر هذه الظاهرة العلمية بطريقة منطقية ومقنعة.
السبب الرئيسي: الملابس اليومية وتأثيرها على تكوّن الوبر في السرة
توصلت الدراسة إلى أن تكون الوبر في سرة البطن يعود بالدرجة الأولى إلى الملابس التي نرتديها بشكل يومي، خاصة تلك المصنوعة من القطن أو الصوف، عندما نرتدي هذه الملابس، تحتك أليافها بأجسامنا وتتحرر منها جزيئات صغيرة من الأنسجة، وبسبب طبيعة شكل سرة البطن، فإنها تعمل كحوض صغير يجمع هذه الألياف المتناثرة، مما يؤدي إلى تراكمها على مدار اليوم وتشكيل ما يعرف بـ”وبر السرة”.
كيف يساعد الشعر الموجود في السرة على تراكم الوبر؟
لم تتوقف الدراسة عند تأثير الملابس فحسب، بل كشفت أيضًا عن دور الشعر الموجود في منطقة السرة في تجميع هذا الوبر. حيث أوضحت النتائج أن:
- الشعيرات الدقيقة المحيطة بالسرة تلعب دور أساسي في التقاط الألياف الصغيرة العالقة في الملابس، وتوجيهها إلى داخل السرة بفضل اتجاه نموها وحركتها أثناء احتكاكها بالأقمشة.
- بنية هذه الشعيرات تساعد على تثبيت الوبر في المكان، مما يجعله يتراكم تدريجيا حتى يصبح واضح للعين المجردة على شكل خيوط قطنية رمادية أو زرقاء اللون.
التجربة العلمية: هل يمكن منع تكوّن الوبر في السرة؟
لم يكتفِ العالم جورج ستينهاوس بوضع نظرياته حول هذه الظاهرة، بل قرر اختبار مدى صحة فرضياته من خلال تجربة عملية، قام بحلق الشعر المحيط بسرة البطن بشكل كامل، ومن ثم راقب هل سيستمر تجمع الوبر أم لا، وكانت النتيجة مفاجئة! لاحظ أن السرة أصبحت خالية تمامًا من أي أثر للوبر خلال الفترة التي لم يكن فيها شعر، ولكن بمجرد أن عاد الشعر للنمو مجددا، عادت معه ظاهرة تراكم الوبر كما كانت من قبل! وهذا أكد بما لا يدع مجالًا للشك أن وجود الشعر في السرة هو أحد الأسباب الرئيسية لتجمع الوبر.
لماذا يكون لون وبر السرة مائلًا إلى الأزرق أو الرمادي؟
من الأمور المثيرة للاهتمام التي كشفها البحث أن وبر السرة يكون عادة بلون أزرق مائل إلى الرمادي، وهذا أثار تساؤلات أخرى حول السبب وراء ذلك. بعد إجراء مزيد من التحليل، تبين أن السبب في ذلك يرجع إلى:
- اختلاط ألياف متعددة الألوان من الملابس المختلفة التي نرتديها يوميًا، مما ينتج عنه مزيج من الألوان المتراكمة يعطي اللون الأزرق أو الرمادي الغالب.
- وجود خلايا جلد ميتة وأتربة دقيقة تختلط مع الوبر، مما يسهم في تكوين هذا اللون الفريد.
هل هناك فوائد أو أضرار لتراكم الوبر في سرة البطن؟
رغم أن تكوّن الوبر في السرة قد يبدو مجرد ظاهرة طبيعية غير ضارة، إلا أن هناك بعض الأمور التي يجدر الانتباه إليها:
- لا يشكل وبر السرة أي خطر صحي في العادة، فهو مجرد تجمع لألياف الملابس وخلايا الجلد الميتة.
- مع ذلك، قد يؤدي تراكمه لفترات طويلة دون تنظيف إلى نمو البكتيريا والفطريات، خاصة في فصل الصيف عندما يكون الجو رطبًا ودافئًا، مما قد يسبب رائحة كريهة أو التهابات جلدية طفيفة.
- ينصح بتنظيف السرة بانتظام، خاصة أثناء الاستحمام، لمنع تراكم الأوساخ والبكتيريا فيها.
هل يمكن التخلص من وبر السرة نهائيًا؟
إذا كنت من الأشخاص الذين ينزعجون من تراكم الوبر في سرتهم، فهناك بعض الطرق التي يمكنك اتباعها لتقليل حدوثه:
- حلق الشعر المحيط بالسرة أو تقصيره باستمرار، كما أثبتت التجربة العلمية أن ذلك يمنع تجمع الألياف.
- ارتداء ملابس مصنوعة من أقمشة لا تترك وبر بسهولة، مثل الحرير أو الأقمشة الاصطناعية الناعمة.
- تنظيف السرة بانتظام أثناء الاستحمام باستخدام قطعة قماش مبللة أو قطن مبلل بالكحول الطبي لإزالة أي أوساخ أو بقايا وبر.
ظاهرة بسيطة ولكنها تستحق الاهتمام!
على الرغم من أن موضوع تكون الوبر في سرة البطن قد يبدو غريبًا للوهلة الأولى، إلا أنه واحد من تلك الظواهر اليومية التي تعكس مدى تعقيد وتفاعل أجسامنا مع البيئة المحيطة بنا، ومن المثير أن نعرف أن هذه الظاهرة التي قد لا يعيرها الكثيرون اهتمامًا كانت موضع دراسة علمية استمرت لسنوات وأدت إلى اكتشافات مثيرة حول علاقتها بالملابس والشعر، في النهاية، سواء كنت تهتم بهذه الظاهرة أو لا، فإن الأمر يظل واحد من عجائب الجسم البشري التي تستحق التأمل والدهشة!