تُعد العلا من أبرز المناطق التي تمتاز بتراث ثقافي وطبيعي غني في المملكة العربية السعودية. ومن خلال مشاريع بحثية متقدمة، تواصل العلا جذب اهتمام العلماء والباحثين من جميع أنحاء العالم، إذ تسهم الاكتشافات البيئية والأثرية في الكشف عن تاريخ الإنسان القديم وارتباطه العميق بالبيئة المحيطة ويأتي “مشروع الجزيرة العربية الخضراء” في مقدمة هذه المبادرات التي تسعى إلى دراسة التغيرات المناخية العميقة التي مرت بها شبه الجزيرة العربية في العصور القديمة، وما أحدثته تلك التغيرات من تحولات في حياة البشر.
كنز ذهبي بمليارات الدولارات يرفع المواطنين السعوديين لمستوى الثراء الفاحش
تعد نتائج المسح البيئي والأثري لمشروع الجزيرة العربية الخضراء من أبرز الإكتشافات الحديثة، حيث أكدت الأدلة على أن شبه الجزيرة العربية مرّت بتغيرات مناخية ملحوظة خلال العصر البلايستوسيني، والذي يتراوح تاريخه بين 350,000 و250,000 عام. في تلك الفترة، كانت الأجواء أكثر رطوبة مما هي عليه اليوم، وهو ما ساعد في تكوين بيئة غنية بالبحيرات والأنهار، مما سهل على البشر الحياة في المنطقة. هذا التغير المناخي لم يسهم فقط في توفير مصادر المياه العذبة، بل كان له دور كبير في استقرار الجماعات البشرية وانتشارها في شبه الجزيرة العربية وأجزاء من القارات المجاورة.
موقع النسيم: بوابة إلى العصور القديمة
من أبرز المواقع التي تكشف عن هذه التحولات المناخية والتغيرات البيئية هو موقع النسيم في العلا. يعد هذا الموقع الأثري واحدًا من أقدم المواقع التي تعود إلى العصر الأشولي في المملكة. يضم الموقع العديد من الأدوات الحجرية التي استخدمها الإنسان القديم لصناعة أدواته في تلك الحقبة. وقد تم العثور في الموقع على أكثر من 350 قطعة من الفؤوس الحجرية والرقائق الحجرية، ما يشير إلى أن الإنسان كان يعتمد على هذه الأدوات في تأمين احتياجاته اليومية.
وتظهر الأدوات المكتشفة في موقع النسيم تنوعًا كبيرًا في التصميم والحجم، ما يعكس مدى تقدم الإنسان في استخدام المواد الطبيعية المحيطة به لصناعة أدواته. كما أن بعض هذه الأدوات تشبه تلك التي تم اكتشافها في مواقع أشولية أخرى في صحراء النفود، مما يعزز الفكرة بأن البيئة في تلك الفترة كانت متجانسة ومترابطة عبر المناطق الجغرافية المختلفة في شبه الجزيرة العربية.
الأدوات الحجرية وارتباطها بالبيئة المحيطة
تظهر الدراسات أن الإنسان في فترة البلايستوسين الأوسط كان يعتمد على أنواع مختلفة من الأدوات الحجرية، وأشهرها الفؤوس ذات الأشكال المتنوعة مثل البيضاوية والقلبية والمثلثة. ومن خلال التحليل، تبين أن الإنسان كان يجلب المواد الخام من أماكن بعيدة لصناعة الأدوات، حيث يتم اختبار جودتها قبل استخدامها. وهذا يبرهن على أن الإنسان في تلك الحقبة كان يمتلك مهارات متقدمة في صناعة الأدوات ويعرف كيف يختار أفضل المواد المتوفرة في البيئة.
البحيرات القديمة وتنوع الحياة البرية
تعد الأدلة التي تشير إلى وجود بحيرات قديمة في صحراء النفود من الاكتشافات الهامة في هذا السياق. حيث تم العثور على بقايا لهذه البحيرات التي كانت تعج بالحياة البرية خلال فترات ذوبان الجليد. تشير الدراسات إلى أن هذه البحيرات كانت موطنًا للعديد من الثدييات، مثل الفيلة والجاموس والأنواع الأخرى، مما يعكس غنى البيئة بتنوع الحياة. هذه البيئة الثرية بالمياه والنباتات كانت مصدرًا رئيسيًا للعيش للإنسان القديم، الذي اعتمد على الصيد وجمع الطعام من هذه البيئة الغنية.