يُعد “المسحراتي” أحد أبرز الرموز الثقافية التي ارتبطت بشهر رمضان عبر التاريخ، حيث يجسد روح التكافل الاجتماعي والقيم الروحية للشهر الكريم. فقبل ساعتين من أذان الفجر، يبدأ المسحراتي جولته في الأحياء، مُنشدًا الأناشيد وضاربًا طبله لإيقاظ الناس للسحور، لكن مع تطور التكنولوجيا، تراجعت هذه المهنة، لتحل محلها المنبهات الإلكترونية. ومع ذلك، يظل المسحراتي رمزًا للتراث الجماعي الذي يجمع بين التقاليد الروحانية وقيم التواصل الإنساني.
جذور مهنة المسحراتي في التاريخ الإسلامي
على الرغم من عدم وجود مصادر تاريخية موثقة تحدد بداية ظهور المسحراتي بدقة، تشير الروايات الشعبية إلى أن جذور هذه المهنة تعود إلى العصر النبوي، فقد ورد أن الصحابيين بلال بن رباح و عبد الله بن أم مكتوم كانا يُؤذنان للسحور، حيث كان بلال يؤذن أولًا ليبدأ الناس بتناول السحور، ثم يؤذن ابن أم مكتوم مع اقتراب الفجر للإمساك.
تطور المهنة في العصور الإسلامي
– العصر الفاطمي : في عهد الخليفة الحاكم بأمر الله ، أُمر الناس بالنوم مبكرًا بعد صلاة التراويح، وكان الجنود يمرون على المنازل لإيقاظهم للسحور.
– العصر العباسي: يُعتبر عتبة بن إسحاق، والي مصر آنذاك، أول من مارس المهنة بشكل رسمي، حيث كان يسير في الشوارع مرددًا: “يا عباد الله تسحروا، فإن في السحور بركة”.
المسحراتي: أكثر من مُوقظ للسحور
لم تكن مهمة المسحراتي تقتصر على إيقاظ الناس لتناول الطعام، بل امتدت لِتكون:
– جسرًا للتواصل الاجتماعي: عبر زيارته لكل بيت، يُذكر الجميع بقيم التكافل ومساعدة المحتاجين.
– حافظًا للتراث : عبر الأناشيد الشعبية المميزة التي تتناقل الأجيال قصصها.
– ناقلًا للروحانيات : بطبله وأناشيده التي تُعيد إحياء أجواء الإيمان والتقوى.
المسحراتي في العصر الحديث: بين التحدي والبقاء
مع انتشار الهواتف الذكية والتقنيات الحديثة، أصبحت الحاجة إلى المسحراتي محدودة، لكن بعض الدول العربية مازالت تحافظ على هذه العادة كجزء من الهوية الثقافية، مثل مصر والمغرب والسعودية. وتنظم بعض الأحياء الشعبية فعاليات رمضانية يستعيد فيها المتطوعون دور المسحراتي، كرسالة للحفاظ على التراث.