شهدت أسعار البن قفزة ملحوظة بنسبة 39%، مسجلة أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات، وتشير التوقعات إلى استمرار هذا الارتفاع خلال العام الحالي، ويعزى هذا الصعود الحاد في الأسعار إلى عدة عوامل مترابطة، أبرزها التراجع الكبير في حجم صادرات الدولتين الرائدتين في إنتاج البن عالميًا، وهما فيتنام والبرازيل، اللتان تستحوذان معًا على حوالي نصف الإنتاج العالمي، فقد تأثرت المحاصيل في هاتين الدولتين بظروف مناخية غير مواتية وأسباب لوجستية أخرى، مما أدى إلى تقلص المعروض العالمي من البن.
بالإضافة إلى ذلك، يساهم التزايد المستمر في معدلات الاستهلاك العالمي للبن في تفاقم أزمة الأسعار، ووفقًا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، يشهد سوق البن اتجاهًا تصاعديًا للعام الرابع على التوالي، مما أدى إلى استنزاف المخزونات العالمية وارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ، وتجدر الإشارة إلى أن أنواع البن المختلفة شهدت تفاوتًا في نسب الارتفاع، حيث سجلت بعض الأنواع عالية الجودة والمستخدمة في القهوة المتخصصة زيادات أكبر نظرًا لزيادة الطلب عليها.
حجم استهلاك السعودية من البن سنوياً
وفي هذا السياق العالمي، تبرز المملكة العربية السعودية كمستهلك رئيسي للبن، حيث تحتل مكانة ضمن أكبر عشر دول استهلاكًا للقهوة على مستوى العالم، ويقدر حجم الاستهلاك السنوي فيها بحوالي مليار ريال سعودي، ويعكس هذا الرقم ثقافة القهوة الراسخة في المجتمع السعودي والإقبال المتزايد على المقاهي وأنواع القهوة المختلفة.
وتشير التوقعات إلى أن قيمة سوق القهوة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستصل إلى حوالي 11.5 مليار دولار أمريكي بحلول نهاية العام الحالي، مدفوعة بالنمو السكاني وزيادة الاهتمام بالقهوة المتخصصة وتطور قطاع الضيافة.
خطة المملكة في مواجهة أزمة البن العالمية
استجابةً لهذا الطلب المتزايد، تشهد المملكة العربية السعودية جهودًا حثيثة لتطوير زراعة البن محليًا، وتأتي هذه المبادرة في إطار الخطط الحكومية الطموحة لتنويع مصادر الدخل وتعزيز المحاصيل الزراعية ذات الميزة النسبية للمملكة، مع التركيز على الاستغلال الأمثل للموارد المائية المتجددة لدعم إنتاج البن، الذي يُطلق عليه محليًا اسم “الذهب الأخضر” نظرًا لقيمته الاقتصادية والثقافية. وتتركز جهود زراعة البن بشكل خاص في المناطق الجنوبية الغربية من المملكة التي تتمتع بتضاريس ومناخ ملائمين لزراعة أجود أنواع البن العربي.
وتعكس هذه المساعي التوجه الرسمي للمملكة نحو دعم وتنمية قطاع القهوة على المستويين المحلي والعالمي. ففي عام 2022، أعلنت المملكة عامًا للقهوة السعودية، وهو ما يعكس الأهمية التي توليها الدولة لهذا المنتج.
كما انضمت المملكة مؤخرًا إلى اتفاقية البن الدولية، وهي خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال إنتاج وتجارة البن، وتبادل الخبرات، والمساهمة في تحقيق الاستدامة في هذا القطاع الحيوي، وتأمل المملكة من خلال هذه المبادرات إلى تعزيز مكانتها كلاعب فاعل في سوق البن العالمي، ليس فقط كمستهلك رئيسي بل كمنتج واعد أيضًا.