في أعماق القرى والأرياف، حيث البساطة تحكم تفاصيل الحياة، لطالما لجأ الفلاحون إلى وسائل تقليدية لكنها ذكية في تسيير شؤونهم اليومية، وخاصة في تأمين المياه الصالحة للشرب، ومع ندرة الوسائل العصرية لتنقية المياه، ظهرت ابتكارات طبيعية مذهلة كان أبرزها “الزير” الفخاري، الذي ما زال يستخدم حتى يومنا هذا.
الزير… الفلتر الطبيعي الذي صنعه الإنسان بالفطرة
الزير هو إناء فخاري غير مطلي، يمتاز بجدرانه المسامية التي تسمح بتسرب قطرات صغيرة من الماء، هذه الخاصية تتيح له الاحتفاظ ببرودة الماء، وفي الوقت ذاته تعمل كآلية ترشيح طبيعية، فعند مرور الماء عبر تلك المسامات الدقيقة، يتم حجز الشوائب والعوالق، ولا يُسمح بمرور سوى الماء النقي، ليخرج من قاع الزير باردًا ونظيفًا دون أي تدخل تكنولوجي.
الوعاء تحت الزير… تصرف بسيط يحمل عبقرية خفية
من يزور الريف سيلاحظ غالبًا وجود إناء صغير يوضع أسفل الزير، وقد يظنه تفصيلًا غير مهم، لكنه في الواقع يعكس فهمًا عميقًا لخصائص المواد الطبيعية. هذا الإناء يُستخدم لجمع الماء المتسرب من الزير بعد أن تمت تصفيته بشكل طبيعي، ويُستهلك عادة مباشرة للشرب نظرًا لنقائه ودرجة حرارته المنعشة.
فكرة ريفية تساوي ذهبًا
هذا التصرف الذي قد يبدو بسيطًا يخفي وراءه عقلية ابتكارية تستحق الإشادة، إذ تمكن الفلاحون من استثمار خواص الفخار لتحويل الزير إلى جهاز تنقية ماء طبيعي دون تكلفة أو معدات، إنه دليل على أن الذكاء العملي في الريف لا يقل شأنًا عن التكنولوجيا المتطورة، بل أحيانًا يتفوق عليها ببساطته وفعاليته.