قد تبدو اللغة العربية، في ظاهرها، منظومة متماسكة من القواعد الدقيقة والضوابط الثابتة، إلا أن من يغوص في أعماقها يكتشف مفاجآت لا تخطر على بال، إحداها تتمثل في سؤال بسيط أثار جدلًا واسعًا: كيف نُجمع كلمة “سكر”، هل نقول “سكريات”، أم “أسكرة”، أم أن “سكور” خيار مقبول.
المادة التي لا تُعد: فهل تُجمع؟
عند التدقيق في طبيعة الكلمة، نجد أن “سكر” تنتمي إلى فئة الأسماء التي تُطلق على المواد غير المعدودة، مثل “ماء” و”ملح” و”طحين”، وبالتالي لا يُستعمل لها جمع تقليدي في أغلب السياقات، لكن عند الإشارة إلى أصناف متعددة منه، يبدأ اللبس، فيرى كثيرون أن “سكريات” هي الصيغة الأنسب للدلالة على تنوع الأنواع، وليس على جمع الكلمة صرفيًا.
إرث لغوي قديم يعود للواجهة
وفي مواجهة هذا الرأي الحديث، استنجد البعض بالمعاجم القديمة التي وثّقت كلمات مثل “أسكرة” و”سكور”، معتبرين إياها صيَغًا صحيحة لغويًا، وإن كانت قد اندثرت في الاستعمال اليومي، وتكشف هذه العودة إلى التراث عن مدى تنوع اللغة العربية واتساع مجالاتها التعبيرية بين المدارس القديمة والمعاصرة.
لا إجابة واحدة.. بل سياقات متعددة
الفيصل في هذا الجدل ليس القاعدة الصرفية وحدها، بل السياق ذاته، فإن كنت تتحدث عن أنواع مختلفة من السكر المصنع أو الطبيعي، فـ”سكريات” تعد مناسبة، أما إذا كان القصد جمع الكلمة في معناها المجرد، فحينها “أسكرة” أو “سكور” قد تفي بالغرض، حتى وإن بدت غريبة على الأذن الحديثة.
اللغة كائن حيّ يتنفس
هذه الحيرة ليست عيبًا في اللغة، بل دليل على ثرائها ومرونتها، فهي لا تقف عند حدود القواعد، بل تتشكل بحسب الحاجة والسياق والزمن، وتظل قادرة دومًا على إدهاشنا بما تحمله من مفارقات ودهشة لا تنضب.