المستقبل يبدأ بعد الثانوية العامة

نظام الامتحانات والقبول بالجامعات جعلاها «بعبع» يهدد مستقبل أبنائنا 

زويل أبهر العالم رغم أنه لم يلتحق بكلية الطب.. وفارق الباز خريج كلية العلوم 

خبراء: تشجيع الأبناء على الالتحاق بالمجال الذى يفضلونه أهم من كليات القمة 

 

بعد انتهاء امتحانات الثانوية العامة، تعيش الأسر فى كابوس النتيجة نهارًا وليلاً، الخوف من المستقبل يحرق قلوبهم كل لحظة، أبناء قد يصابون بانتكاسات نفسية من صعوبة الإنتظار وسط نظرات الآباء والأمهات لهم والتوعد حال عدم الحصول على درجات عالية، الأمر الذى يدفع الكثير من الطلاب للانتحار قبل إعلان النتيجة من الأساس.

وكثيراً ما يؤكد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى لقاءاته أن الجامعات النظرية ليس هى مستقبل سوق العمل، وإن المجتمع يحتاج لتخصصات ومجالات أخرى بخلاف الكليات النظرية، ومن هنا يؤكد الرئيس فكرة أن الثانوية العامة ليست نهاية المطاف، فهناك رحلة أخرى تتطلب مواصفات خاصة ومؤهلات ليست بالضرورة مرتبطة بالحصول على درجات كليات القمة فى الثانوية العامة. 

كثير من النماذج الناجحة فى مجتمعنا، إذا بحثنا فى درجاتهم فى الثانوية العامة نجدها دون المستوى، لكنهم بدأوا حياة جديدة ورحلة شاقة لإثبات الذات حتى أصبحوا فى هذه المكانة، فجميعهم نماذج أثبتت أن الحياة العملية لها متطلبات أخرى غير التفوق فى الثانوية العامة، وعلى رأسهم الراحل الدكتور أحمد زويل والدكتور فاروق الباز، فهما ليسا من خريجى كليات القمة، ولكنهما وصلا للعالمية بالتعب والجد والعمل. 

الحديث هنا لا يهدف إلى التشجيع على عدم المذاكرة والحصول على درجات عالية للالتحاق بكليات القمة، بل للتأكيد على أن جميع الكليات مؤهلة لسوق العمل إذا سخر الفرد نفسه لها جيدًا واكتشف ماذا تتطلب تطورات سوق العمل بما يناسب تخصصه، ولنؤكد أيضا أن من لا يحالفه الحظ فى الثانوية العامة بالحصول على درجات عالية فأمامه رحلة أخرى يمكن من خلالها تحصيل درجات من نوع آخر. 

أولياء الأمور والطلاب: «رعب من الانضمام لطابور البطالة»

حالة من الرعب الشديد تنتاب أولياء الأمور وأبناءهم من طلاب الثانوية العامة، قلوب تحترق قلقاً من النتيجة التى تكون فاصلة فى حياة الأبناء وأولياء أمورهم، فهل سيدخلون كليات القمة؟.. هل سيحققون الآمال بالكلية المرغوبة؟، هل يستطيعون من الأساس الالتحاق بجامعة حكومية؟، أم سيدخلون فى مفرمة الجامعات الخاصة؟.

يقول حمادة السيد، طالب ثانوية عامة (علمى)، إنّ حلم عمره الالتحاق بكلية الطب، ويبذل قصارى جهده لاستكمال حلمه وحلم والديه، وأشار الطالب إلى أن حال فشله فى الوصول لهذه الكلية، فسيحاول جاهدًا أن يلتحق بكلية تناسب ما يحتاجه سوق العمل حتى لا ينضم لطابور البطالة. 

«لو مبقتش دكتور بشرى أو صيدلى هتحطم نفسيًا» قالها رؤوف خلف، طالب ثانوية عامة (علمي) مشيرا إلى أنّ والده تكبد آلاف الجنيهات فى الدروس الخصوصية ويشعر بالمسؤولية تجاه أسرته لتعويضهم عن تعبهم طوال السنوات الماضية.

«المستقبل ليا طبعاً.. بس أعمل إيه التوفيق بتاع ربنا».. يشير الطالب إلى أن أسرته يرونه دائماً يجتهد من أجل الحصول على أعلى الدرجات، وقال إن والده دائما ما يقول له إن المستقبل للفرد نفسه وليس لوالده أو والدته أو إخوته إنما هم يحاولون تقديم النصيحة له ليس أكثر. 

«بابا مش بيشد عليا ولا بيتخانق معايا بالعكس بيقولى تعالى فك على نفسك شوية واتفرج على فيلم».. يستكمل الطالب حديثه عن تفاصيل يومه وسط الضغط المذاكرة، مؤكدا أن أسرته تحاول التخفيف عنه حتى إن والدته تحاول كسر حاجز الخوف لديه من الامتحانات وتقول له إن الثانوية العامة ليست نهاية المطاف. 

على العكس ما يحدث مع «ط.م»، طالب ثانوية عامة (أدبي) الذى يعانى من ضغوط نفسية كبيرة وقال إن والده يمارس جميع أنواع الضغط النفسى عليه، ويشدد على ضرورة الالتحاق بكليات القمة، وتابع: «ليل ونهار محسسنى بالذنب.. قائلا: بصرف عليك طن فلوس عايز نتيجة». 

يستكمل: «أنا لو هذاكر فده علشان نفسى مش علشان بابا بيقولى دفعت ودفعت.. الكلام ده بيكسرنى نفسيا مش هعرف حتى اذاكر وبموت من الرعب فى الامتحانات».

«بحرص دائما على الدعم النفسى علشان بذاكر بمذاج».. هكذا استهلت نبيلة حمدى، حديثها وتشير إلى أنها دائما توجه بعض الكلمات من شأنها رفع الروح المعنوية لابنها الذى يحلم أن يكون طبيبًا للأسنان. 

«بضايق أوى من أى أم وأب يفضلوا يقولوا لعيالهم إحنا بندفع فلوس وإحنا وإحنا».. تستكمل السيدة حديثها وتقول إن هذه الجمل تنعكس بالسلب على نفسية الطالب وتجعله يعيش فى رعب مما ينجم عنه نتائج سلبية». 

تحاول الأم جاهدة تشجيع ابنها ببعض الجمل منها أن المستقبل له وليس لأحد، وعمله سيساعده فى العيش بصورة اجتماعية أفضل، ما سيساعده على الزواج من محبوبته بكل سهولة بعد الحصول على الوظيفة المناسبة، مؤكدة أن الثانوية العامة ليست نهاية المطاف وأنها تثق فى قدراته فى الحصول على الثانوية العامة بنتائج عالية. 

«طبعاً عايشة فى رعب لكن مش بحاول أبين ده قدام ابنى وببقى صلبة علشان يعرف يذاكر».. بهذه الجملة استهلت شيرين حامد، حديثها قائلة: إن ابنها الأكبر طبيب بشرى والذى يليه مهندس مدنى، والأخير فى الثانوية العامة. 

تستكمل الأم حديثها وتقول إنها كانت تدعم أبناءها الذين يعملون الآن بنفس طريقة الابن الأخير، مشيرة إلى أنها تحاول أن تعيش دائما فى ضحك وابتسام لتجعل يوم ابنها سعيدا ومهيأ للمذاكرة لتوفر له كافة سبل الراحة، حتى إنها قامت بشراء مولد كهرباء لتوفير الراحة له حتى وإن انقطعت الكهرباء بالمنطقة، وتابعت: «ربنا مش بيضيع تعب حد سواء ابن ذاكر أو أب وأم تعبوا وصرفوا علشانه.. لكن مش لازم كل شوية نقول للابن شوف انا بعمل ايه وبعمل ايه الولد نفسه أو البنت شايفة التعب كفاية الضغط النفسى اللى هم فيه». 

سبب المشكلة

قالت الدكتورة بثينة عبدالرؤوف، الخبيرة التربوية، إنّ مشكلة الثانوية العامة أزلية عند المجمع المصرى منذ الستينيات منذ وجود الجامعات الحكومية، فكانت الثانوية العامة محطة مهمة جدا ومرحلة فاصلة، حتى يتمكن الطالب من الالتحاق بالجامعة. 

تشير الخبيرة التربوية إلى أنّه قبل ثورة يوليو كانت الأسرة الغنية فقط هى التى تستطيع أن تكمل تعليم أبنائها فى المرحلة الجامعية، وكانت الثانوية العامة نوعًا من الرقى الاجتماعى من يحصل عليها يعمل بها، وكانت نهاية المطاف بالنسبة المجتمع المصرى.

وتواصل الخبيرة التربوية حديثها مشيرة إلى أنّه منذ السبعينيات كان الحصول على درجات فى الثانوية العامة أمرًا هامًا وفاصلاً لدخول الجامعة فلم تكن هناك جامعات خاصة أو أهلية، ومن هنا جاءت فكرة أكون أو لا أكون، أكون جامعياً أو لا أكون جامعياً. 

وتواصل الخبيرة التربوية حديثها قائلة: إنّ الكثيرين يعتقدون أن مرحلة التأسيس تتوقف عند الابتدائية أو الإعدادية فقط بل التأسيس حتى المرحلة الثانوية، فمع توافر العديد من الجامعات الخاصة والأهلية، أصبحت فرص العمل أكبر والتخصصات أكثر حتى وإن عجز الطالب عن الحصول على درجات عالية، إلا أنه فى السنوات الأخيرة عادت فكرة بعبع الثانوية العامة من جديد بسبب ارتفاع تكاليف الجامعات إلى 100 ألف فى السنة الواحدة، ومن هنا أصبحت الدرجات التى يحصل عليها الطالب مرحلة فاصلة فى حياته وحياة ولى أمره.

وتابعت: من المهم أن يعلم الطالب جيدًا أن الثانوية العامة مرحلة هامة فى حياته، مرحلة صعبة لا بد أن يبذل جهودا لكى يتخطاها، وهذا يجب أن ينطبق على كل مراحل الحياة بشكل عام، لكن حينما يصل الأمر عند أولياء الأمور إلى أن الثانوية العامة مسألة حياة أو موت، فتلك الفكرة الخاطئة تنعكس على الطالب بالسلب.

تغيير مفهوم الثانوية العامة 

وأوضحت الدكتورة نادية جمال، استشارى العلاقات الأسرية، إنّ مفهوم الثانوية العامة بالنسبة لمجتمعنا هو السبب فى الصورة المخيفة التى ترسخت فى أذهان كل طالب وكل أسرة لديها أبناء فى مراحل دراسية سابقة لمرحلة الثانوية.

وأشارت استشارى العلاقات الأسرية إلى أنّ الأسرة هى السبب الأول وليس الوحيد لكل ما وصلنا إليه من خوف وقلق وانتظار وأحلام وفشل وانتحار أحيانا، فهناك مسميات كثيرة تم إطلاقها على هذه المرحلة مثل كابوس الثانوية العامة أو تحديد مسار الحياة، وتابعت: «مثلاً الطالب الذى حصل على مجموع عالٍ ومناسب أن يختار الجامعة والتخصص الذى يريده ويمكنه أن يحقق نجاحاً دراسياً ومهنياً فيه، ولكنه يفاجأ برفض والديه بسبب أحلامهما فى دخول كلية معينة وتحقيق حلمهما الشخصى، أو بسبب المقارنات المستمرة بينه وبين أقاربه». 

واستكملت: «الجانب الثانى هو الطالب الفاشل من وجهة نظر الأهل والمجتمع لأن مجموعه بسيط وحُرم من الدراسة فى كلية مميزة من وجهة نظرهم، أو الطالب الذى رسب فى بعض المواد وعليه إعادتها، فهذا مشكلة أكبر، حيث يحكم عليه الجميع بالفشل وضياع مستقبله وانكساره ومقارنته بكثير من المحيطين به وتحميله مسئولية فشله حتى يصبح الفشل سمة من سمات شخصيته يلازمه على مدار سنوات حياته».

وأردفت: «من هنا نوضح أن امتحان الثانوية العامة يشبه أى امتحان لأى سنه دراسية وإنه ليس نهاية العالم ولا نهاية مسار حياة، فهناك الكثير من أبنائنا يحبون مجالات بعينها فلا بد أن نكون دعما لهم فى كل ظروفهم واوقاتهم فهذا حقهم علينا، ولا بد أن نساعدهم فى اختيار اكثر من مجال ونوضح ليهم كل التفاصيل الخاصة بكل مجال ونترك لهم حرية الاختيار». 

واختتمت حديثها قائلة: «لا بد أن نزرع فيهم الثقة فى أنفسهم وأنهم قادرون أن يكملوا مستقبلهم بالطريقة المناسبة لهم، وهذا أكبر حافز يعلمهم ويعودهم على تحمل المسئولية وعلى الإصرار على النجاح وتحمل أى متاعب تواجههم فى حياتهم. فالثانوية العامة سنة دراسية عادية وليست نهاية المطاف»، وأضافت موجهة كلمتها لأولياء الأمور: «أنتم الدعم والسند لأولادكم فلا تكونوا أداة تقضى على الباقى من مستقبلهم». 

 

نقلاً عن جريدة الوفد