طباعة عملات الفئات الكبيرة.. ضرورة اقتصادية أم مخاطرة؟ | خبير يوضح

مع ارتفاع التضخم وتآكل القوة الشرائية للعملات الصغيرة، تتزايد الحاجة إلى استراتيجيات تسهم في تسهيل المعاملات المالية وتقليل التكاليف.

وتتزايد النقاشات حول ضرورة طباعة عملات ذات فئات كبيرة كجزء من سياسة نقدية تهدف إلى تسهيل المعاملات النقدية الكبيرة وتقليل تكاليف الطباعة.

ومع ذلك، تظل هذه السياسة مثار جدل واسع، إذ تحمل في طياتها مخاطر اقتصادية واجتماعية تتطلب دراسة معمقة.

وقال الخبير الاقتصادي، أحمد معطي، إنه مع تزايد معدلات التضخم، تفقد العملات ذات الفئات الصغيرة قيمتها الشرائية بشكل كبير، ما يدفع الأفراد لحمل كميات أكبر من الأموال لإجراء المعاملات اليومية، وإصدار عملات ذات فئات أكبر يمكن أن يقلل من هذا العبء، ويسهل عمليات الشراء والبيع في الأسواق.

وأضاف معطي في تصريحات صحفية، أنه في بعض الاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على النقد في المعاملات اليومية، يسهل إصدار فئات كبيرة للتعاملات النقدية الكبيرة، خصوصًا في القطاعات التي تتطلب تبادل مبالغ ضخمة مثل العقارات أو التجارة بالجملة.

كما أشار الخبير الاقتصادي، إلى أن طباعة عملات كبيرة يمكن أن تقلل من تكاليف الطباعة والنقل، فكمية الأموال المطبوعة ستكون أقل، كما أن تقليل تداول العملات ذات الفئات الصغيرة يمكن أن يسهم في تقليل تكاليف تخزينها وإدارتها.

فكرة طبع فئات نقدية كبيرة ظهرت بشكل ملحوظ خلال فترات الأزمات الاقتصادية، خاصة عندما تعاني الاقتصادات من تضخم مفرط أو انهيارات مالية، وتعود أبرز الأمثلة التاريخية إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث شهدت ألمانيا تضخمًا جامحًا أدى إلى فقدان العملة لقيمتها، ما تطلب إصدار عملات بفئات كبيرة تصل إلى مليارات الماركات، نتيجة لانهيار اقتصادي تام وفقدان الثقة في العملة المحلية.

أيضًا، خلال الأزمات المالية مثل الكساد الكبير في الولايات المتحدة في الثلاثينيات، تم النظر في طباعة فئات نقدية كبيرة كجزء من الاستراتيجيات الاقتصادية للتعامل مع الركود العميق وتخفيف العبء المالي على الأفراد والشركات.

ومع تقدم الزمن، ظهرت الفكرة مجددًا في دول أخرى خلال فترات التضخم المرتفع، كما حدث في بعض الدول الأفريقية مثل زيمبابوي في أوائل القرن الحادي والعشرين، عندما تم إصدار عملات بفئات ضخمة نتيجة للتضخم الشديد الذي أصاب البلاد.

التحديات والمخاطر

تذكر الخبيرة المصرفية، سهر الدماطي، أن أحد المخاوف الرئيسية من إصدار عملات كبيرة هو إمكانية تعزيز التضخم، فعندما تزداد كمية النقود المتداولة في السوق، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات، ما قد يدفع الأسعار إلى الارتفاع.

وأوضحت الدماطي في تصريحات صحفية، أن العملات الكبيرة قد تسهل عمليات التهرب الضريبي وغسل الأموال، حيث يسهل نقل وتخزين مبالغ كبيرة بشكل نقدي بدون لفت الانتباه، ما يمثل تحديًا كبيرًا للحكومات في مكافحة الأنشطة غير القانونية.

وتلفت إلى أن هناك مخاوف من أن إصدار عملات كبيرة قد يؤدي إلى تقليل استخدام الفئات الأصغر، ما قد يزيد من التفاوت الاقتصادي بين فئات المجتمع المختلفة، فالفئات الأقل دخلاً قد تجد صعوبة في التعامل مع العملات الكبيرة.

أكبر الفئات النقدية في التاريخ

وتعد الفئة النقدية 100 تريليون دولار زيمبابوي، واحدة من أكبر الأوراق النقدية التي تم إصدارها في التاريخ، وظهرت نتيجة للتضخم المفرط الذي شهدته زيمبابوي في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث فقدت العملة المحلية قيمتها بشكل هائل، ما اضطر الحكومة لإصدار فئات نقدية كبيرة.

خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، عانت يوغوسلافيا من تضخم شديد نتيجة للحرب والاضطرابات السياسية، ما أدى إلى إصدار فئات نقدية ضخمة مثل 500 مليار دينار.

وفي التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عانت تركيا من تضخم مرتفع، ما أدى إلى إصدار فئة 500000 ليرة تركية، وفي عام 2005، تم استبدال العملة وإعادة تقييمها، حيث ألغيت ستة أصفار من العملة.

وفي عام 1998، أصدرت الفلبين 100000 بيزو، للاحتفال بمئوية إعلان استقلالها، وكانت هذه الفئة غير اعتيادية واستثنائية، حيث تم إصدارها بشكل محدود كهدايا تذكارية.

وتعد فئة 100000 دولار أمريكي الأكبر من حيث القيمة في تاريخ الولايات المتحدة، ولكنها لم تكن مخصصة للتداول العام، بل كانت تُستخدم بين البنوك الفيدرالية في معاملات الاحتياطي الفيدرالي، وطُبعت هذه العملة في الفترة من 1934 إلى 1935، وحملت صورة الرئيس وودرو ويلسون.

وخلال فترة الثمانينيات، عانت المكسيك من تضخم كبير، ما دفع الحكومة لإصدار فئات نقدية كبيرة مثل 10000 بيزو، وبعد الإصلاحات الاقتصادية في عام 1993، تم تخفيض قيمة العملة وإعادة تقييمها. 

نقلا عن جريدة العقارية