للإنس قضاة يحتكمون إليهم، للفض في نزاعاتهم، ومحاكم. لكن هل سمعتم يوماً عن محكمة عليا للجن، تقع في قرية نائية يصعب الوصول إليها، في الطريق إلى “توبقال”، في أعلى القمم الجبلية في المغرب؟ و محكمة الجن هذه، يحكم فيها سبعة قضاة، من ضمنهم سلطانهم “شمهروش”، الذي يفصل في نزاعات الجن، كما يفصل أيضاً في نزاعات الإنس مع الجن، وينزل كل خميس لإصدار أحكامه. وحسب ما يُروى في الثقافة الشعبية، فإن إبليس، بنفسه، لا يمكن أن يتخلف عن جلساته، إن اقتضى الأمر.
من هو شمهروش
تروي الأسطورة أن شمهروش حلّ ضيفاً على رجل يقطن في “دوار” إرمد، وينتمي إلى قبيلة آيت ميزان، ويختلف الرواة في اسمه، فمنهم من يسميه موسى بن إدريس، ومنهم من يسميه بلعيد، يذكر باحث علم الإناسة حسن رشيق، في مؤلفه “شمهروش، الطقوسي والسياسي في الأطلس الكبير” (بعد أن قام بدراسة ميدانية معمّقة قرب الضريح)، أن الروايات الشفهية التي يتم تداولها، “تحكي أن شمهروش سلطان الجان، حل على مضيفه في صفة كلب، وإن كان الراجح، بالنسبة إليه، أن يكون اسمه بلعيد، بحكم أن اسم الأسرة التي تسهر على الضريح إلى اليوم، تحمل اسم آيت بلعيد، أي آل بلعيد، بما فيهم أحفاده.”
محكمة الإنس و الجان
ما ينتمي إلى الطقوس الأسطورية، تحوّل في عرف سكّان المنطقة، مع مر القرون، إلى طقس جماعي يؤمن بالغيبيات، وحقيقة وجود هذا الكائن من العالم الآخر الذي يحكم في مشكلاتهم مع الجن، بالعدل، ويأتي لهم بحقهم، ويتلخص الدور الرئيسي لجلسات المحاكم التي يرأسها سيدي شمهروش، الذي لا يحق له الحكم، إلا في يوم الخميس، في تخليص زواره من المس، أو الجان الذي تلبّسهم.
طقوس المحاكمة
وللمحاكمة، التي يكون شمهروش قاضيها، طقوس خاصة تلزم كل زائر لمقامه، من الإنس، بطلبٍ لتخليصه من “جنّي يتلبّسه”، حسب ما ورد في كتاب “شمهروش الطقوسي والسياسي في الأطلس الكبير”.
ويروي المؤلف، في كتابه، كيف أن كل زائر لمقام ” شمهروش”، بعد أن يسير عبر طريق وعرة، مستعيناً بأبناء المنطقة، وبِغالهم، يجب أن يصحب معه ذبيحة يقدمها إلى مقام السيد، قرباناً لقضاء “حاجته”. ويُستحب أن تكون خروفاً، على أنه يمكن أيضاً ذبح ديك، أو دجاجة، وفي أسوء الأحوال تقديم هدايا، إن تعذر على الزائر الذبح.
ومن طقوس الزيارة، بعد اقتناء الذبيحة، أن يكون الزوار، رجالاً أو نساءً، ملزمين بالاغتسال في غرفتين، واحدة منهما مخصصة للرجال، والثانية للنساء، قبل الانتقال إلى عين ماء ينصح بالشرب منها، وبالقرب منها حوض استحمام مخصص للنساء.