أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله مفهوم الهجرة المناخية، وما يرتبط بهذا المفهوم من أرقام وإحصائيات، مستعرضاً الفئات الأكثر تضررًا من التغير المناخي، وكيف تتزايد نسبتهم في صفوف المهاجرين، كما تناول التحديات التي تواجه أولئك المهاجرين، وسبُل احتواء أزمة الهجرة المناخية.
أشار التحليل إلى أن التغير المناخي دفع في الآونة الأخيرة إلى حالة غير مسبوقة من التحرُّكات السكانية (النزوح داخل الدولة أو الهجرة من دولة إلى أخرى) في عدد كبير من المناطق والأقاليم حول العالم، وهي حالة مستمرة، ويُرجَّح تزايدها في السنوات المقبلة مع تفاقُم حدة الأحداث المناخية المتطرفة كالفيضانات والجفاف والعواصف والتغيرات في هطول الأمطار، وتغير أنماط درجات الحرارة، كما تؤثر أيضًا الأحداث المناخية التي تستغرق زمنًا طويلًا نسبيًّا، مثل: التصحر وتآكل الشواطئ وارتفاع مستوى سطح البحر فضلًا عن إزالة الغابات وتدهور التنوع البيولوجي، على قرارات الهجرة؛ كون تلك الأحداث المناخية المتطرفة تؤثر سلبًا على سبل العيش وجودة الحياة.
وتناول التحليل مفهوم الهجرة المناخية وفقًا لتعريف المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، وهي حركة شخص أو مجموعة من الأشخاص من مكان إلى آخر؛ فهم يضطرون -لأسباب تتعلق بالتغير المفاجئ أو التدريجي في البيئة التي يعيشون فيها بفعل التغير المناخي- إلى مغادرة مكان إقامتهم المعتاد إما بشكل مؤقت أو دائم، داخل الدولة أو عبر الحدود الدولية.
وأكد التحليل أن معظم حالات النزوح/الهجرة المرتبطة بالكوارث المناخية تكون قصيرة المدى أي بسبب حدوث كارثة مناخية بشكل مفاجئ، لكن يتعين الانتباه إلى أن الهجرة السكانية المرتبطة بتغير المناخ بطيئة الحدوث (الأحداث المناخية التدريجية أو التي تستغرق زمنًا طويلًا مثل: ارتفاع مستوى سطح البحر، وتدهور الأراضي الزراعية، وتآكل الشواطئ) قد تكون أكثر تعقيدًا كما أنها أوسع نطاقًا. فالتأثيرات التدريجية لتغير المناخ يمكن أن تجعل مناطق أو جزرًا بأكملها غير صالحة للعيش، وتهدد سبل العيش الريفية على البقاء، وتعزز المنافسة على الموارد.
هذا، وتتسبَّب الكوارث المناخية في حدوث حالات نزوح أكثر من تلك التي تُسببها الصراعات، ولكن هذه الحركة تميل إلى أن تكون قصيرة المدى، وتشير التقديرات إلى أنه من بين 71.1 مليون نازح داخليًّا في نهاية عام 2022، نزح نحو 8.7 ملايين (12%) بسبب الكوارث المناخية والبيئية. ففي حين أن انعدام الأمن والصراع غالبًا ما يمنع السكان من العودة بأمان إلى مواطنهم الأصلية، إلا أنهم يعودون -في أغلب الحالات- بعد وقوع الكوارث البيئية والمناخية، وتجدر الإشارة إلى أن العالم سجل ما بين عامي 2019 و2022 متوسطًا سنويًّا يُقدَّر بأكثر من 20 مليون حالة نزوح بسبب الكوارث الطبيعية.
وذكر مركز المعلومات إلى ما أشارت إليه السيناريوهات والتقديرات الأكثر تشاؤمًا للبنك الدولي أن نحو 216 مليون شخص قد ينزحون داخليًّا بحلول عام 2050 في ظل تفاقُم أزمة ندرة المياه وتدهور قطاع الزراعة نتيجة لذلك، ولكن إذا اتخذت الحكومات ما يلزم من إجراءات لتخفيف وتيرة تغير المناخ، وتعزيز إجراءات التخفيف والتكيُّف، فإن البنك الدولي يتوقع أن ينخفض هذا العدد بنسبة تصل لحوالي 80%، بنحو 44 مليون شخص.
وأوضح التحليل أن التغير المناخي يؤثر بشكل كبير على جميع فئات المجتمعات حول العالم، ولكن بعض الفئات تكون أكثر عرضة للضرر من غيرها. ومن ثم، تتزايد نسبتهم في صفوف المهاجرين أو النازحين المناخيين، وأبرز تلك الفئات الأكثر هشَّاشة للتغير المناخي ما يلي:
-النساء: نتيجة لتفاقم التغير المناخي، وما يُسببه من أضرار اقتصادية، أصبحت النساء اللواتي يمتلكن أصولًا أو موارد اقتصادية أقل، هم الأكثر عرضة للتأثر بالآثار الاقتصادية للتغير المناخي، وقد أظهرت التقييمات الأولية لفيضانات عام 2020 في السودان -على سبيل المثال- أن قرابة 42% من الأسر الزراعية والرعوية (التي تعيلها النساء) قد تضررت بشدة، كما فقدت النساء محاصيل الحبوب والبستنة، والمواشي، والبذور، والمدخلات الزراعية، والمعدات، وكذا البنى التحتية اللازمة للمياه وتربية المواشي، وأدوات صيد الأسماك، ومزارع تربية الأحياء المائية، وقد تضررت مشاريعهن الصغيرة والمتناهية الصغر تضررًا بالغًا؛ مما دفعهن للهجرة، وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) إلى أن 80% من النازحين بسبب التغير المناخي هم من النساء.
-الأطفال: هناك مليار طفل -أي ما يقرب من نصف أطفال العالم البالغ عددهم 2.2 مليار طفل- يقطنون 33 بلدًا من البلدان المصنفة على أنها الأكثر هشَّاشة لمخاطر التغير المناخي، ويعاني الأطفال في العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء لا سيما الصومال والسودان من عوامل الخطر المناخية والبيئية؛ مما يضعهم في مقدمة الدول طبقًا لـ”مؤشر مخاطر المناخ على الأطفال”. وحتى عام 2020، كان هناك 36 مليونًا من الأطفال المهاجرين الدوليين، وقد نزح ما يقرب من 10 ملايين طفل في عام 2020 وحده بسبب الظواهر المرتبطة بالطقس، وقد يتعرض الأطفال الذين يرتحلون في سياق التغير المناخي لمجموعة متنوعة من المخاطر تشمل سوء معاملتهم أو استغلالهم أو الاتجار بهم، وقد يفقدون إمكانية الحصول على التعليم، كما يُجبرون على العمل.
-الأشخاص ذوو الإعاقة: في حالة حدوث كوارث مناخية مفاجئة مثل الفيضانات والأعاصير أو حوادث مناخية متطرفة تدريجية مثل ارتفاع مستوى سطح البحر؛ عادةً ما يكون الأشخاص ذوو الإعاقة هم الأكثر عرضة للتأثر سلبًا؛ إذ تسجل صفوفهم معدلات إصابات ووفيات أكثر بكثير مقارنةً بالفئات الأخرى، كما أن الكوارث المفاجئة والأحداث البطيئة يمكن أن تؤثر بشدة على إمكانية حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على الغذاء ومياه الشرب وخدمات الرعاية الصحية والأدوية والتعليم والتدريب والعمل اللائق والسكن اللائق.
وتشير أحدث التقديرات الصادرة عن كلٍّ من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الهجرة الدولية إلى أنه في عام 2020، كان هناك ما يُقدر بنحو 12.4 مليون نازح قسري يعاني من إعاقة من إجمالي 82.4 مليون شخص نازح قسريًّا على مستوى العالم.
وقد استعرض التحليل عدد من التحديات التي تواجه المهاجرين أو النازحين بسبب التغيرات والكوارث المناخية، ولعل أبرزها ما يلي:
-التحديات الحقوقية: وفقًا للمنظور الحقوقي، يُهدد التغير المناخي حقوق الإنسان الأصيلة المتمثلة في الحق في الحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي، والحق في الغذاء، والحق في الصحة، والحق في السكن، والحق في تقرير المصير. ومن ثَم، فالمهاجرون أو النازحون البيئيون هم الأشخاص الذين لم يعُد بإمكانهم الحصول على سبل عيش آمنة في أوطانهم بسبب الظروف المناخية القاسية من قبيل الجفاف وتآكل التربة والتصحر وإزالة الغابات، وما تُسببه من ضغوط على البنية التحتية للدولة، وسبل العيش بها، وارتفاع معدلات الفقر.
ورغم قسوة تلك الظروف التي تدفع السكان للنزوح أو الهجرة غير النظامية أو طلب اللجوء لدى دول أخرى، فإنهم قد يواجهون ظروفًا أشد قسوة في دول المقصد؛ فقد يُحرمون من الدخول بشكل نظامي، ويضطرون إلى الهجرة بطرق غير نظامية، وقد يواجهون بعد دخول دول المقصد التهميش والتمييز والاضطهاد والاحتجاز التعسفي، فضلًا عن غياب الرعاية الصحية والنفسية، والاستغلال في العمل، والاستغلال الجنسي، وقد يقعون فريسة لشبكات الجريمة المنظمة كالاتجار بالبشر.
-التحديات القانونية: وفقًا لقواعد القانون الدولي، لا يُشكِّل التغير المناخي -حتى الآن- سببًا للحماية الدولية، ولا توجد قاعدة قانونية دولية للاجئي المناخ؛ إذ ربطت اتفاقية اللاجئين لعام 1951 تعريف ووضعية اللاجئ بالفرار من الاضطهاد على أساس خمسة أسباب فقط، وهي: العرق أو الدين أو الجنسية أو الرأي السياسي أو العضوية في جماعة اجتماعية معينة، ولم تُذكَر العوامل البيئية والمناخية ضمن هذا التعريف. ولذلك، فإن المهاجرين أو النازحين لأسباب بيئية ومناخية لا يتمتعون باعتراف واضح بوضعيتهم؛ ولهذا السبب فهم لا يحصلون على المساعدات الملائمة التي يحتاجون إليها، كما لا توجد التزامات واضحة على دول المقصد؛ لعدم وجود مفهوم محدد للهجرة المناخية والمهاجر المناخي.
-تحديات مرتبطة بالدمج في مجتمعات دول المقصد: هناك أيضًا تحديات تواجه أي خطة لاستيعاب ودمج مهاجري المناخ على وجه الخصوص؛ فلا يوجد تعريف محدد للمهاجر أو اللاجئ المناخي، ومن ثَم يكون من الصعب تحديد من سيكون مؤهلًا للحصول على حق اللجوء المناخي؛ وذلك نظرًا لأنه قد يكون من الصعب فصل التأثيرات الناتجة عن التغير المناخي عن دوافع الهجرة الأخرى المؤقتة أو الدائمة؛ لأن جميع المجتمعات تتعرَّض بدرجات متفاوتة للتغير المناخي، كما أن أعداد الأشخاص اللاجئين أو المهاجرين بسبب الكوارث المناخية قد تصل إلى مئات الآلاف مما يُشكِّل ضغوطًا على دول الجوار القريب بشكل خاص، ويكون من الصعب إدماجهم واستيعابهم في تلك المجتمعات.
وأوضح التحليل في ختامه إن الهجرة المناخية أصبحت ظاهرة مُلحة؛ فالتغير المناخي المتسارع والمتزايد في حدته يدفع العديد من الأفراد والمجتمعات إلى الانتقال من مواطنهم الأصلية بحثًا عن أماكن أكثر أمانًا واستقرارًا. ويفرض هذا التحدي المناخي تداعيات اجتماعية واقتصادية وسياسية وديموجرافية بالغة التعقيد؛ مما يتطلب تعاونًا دوليًّا وتخطيطًا مستدامًا لمواجهتها بفعالية.
وأضاف التحليل أنه من الضروري أن تعمل الحكومات والمنظمات الدولية على تطوير استراتيجيات شاملة تتضمن تعزيز الوعي البيئي، وتقديم الدعم للمجتمعات المتضررة، وتبنِّي سياسات هجرة عادلة وإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، يجب التركيز على الابتكار والتكنولوجيا لتطوير حلول مستدامة تعزز من قدرة المجتمعات على التكيُّف مع التغير المناخي وتقليل الاعتماد على الهجرة كحل وحيد.
لذا، يتعيَّن العمل على بلورة سيناريوهات التنقل البشري في إطار خطط العمل الوطنية بشأن قضية التغير المناخي؛ وذلك من أجل تقييم دقيق لتأثير التغير المناخي على تزايد معدلات النزوح داخل الدولة الواحدة أو الهجرة لدول أخرى، وإشراك المجتمعات الأكثر تضررًا من التغير المناخي لوضع البدائل الفعَّالة للتعامل مع تلك القضية بشكل استباقي.
ومن الضروري أيضًا اتخاذ ما يلزم من تدابير من قِبل الحكومات والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بقضية الهجرة لتسهيل الهجرة الآمنة النظامية، وذلك بما يضمن حماية حقوق المهاجرين المناخيين، ودمجهم في المجتمعات التي ينتقلون لها.
نقلا عن اليوم السابع