في اكتشاف يهدد بإعادة كتابة كتب التاريخ العلمي قام مجموعة من العلماء الفرنسيين بالكشف عن دليل يؤكد وجود مفاعل نووي طبيعي يعمل بشكل مستقل منذ ملايين السنوات داخل أعماق الأرض، وهذا من شأنه فتح آفاقًا جديدة نفهم بها كيفية عمل الطبيعة، وإجراء كثير من الأبحاث للتوصل إلى ما تخفيه الأرض من أسرار.
الدول التي تمتلك المفاعل النووي
تمتلك الدول الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن للسلاح النووي، يوجد أيضًا عدد أربع دول تمتلك هذا السلام النووي سواء بطريقة معلنة أو غير معلنة، حيث وضحت مجموعة من التجارب الحية أن دولتي الهند وباكستان يمتلكان السلاح النووي، بينما الدول التي يُعرف عنها امتلاك السلاح النووي دون ان تؤكد ذلك بشكل صريح و رسمي هما كوريا الشمالية ودولة الاحتلال، وهؤلاء الأربع دول استطاعت أن تمتلك السلاح النووي ولكن في ظروف غير عادية غير متوقع حدوثها مرة أخرى، ولكن الأمر الأكثر أهمية يكمن في أن أي دولة حول العالم ستقوم بمحاولة تخصيب “اليورانيوم” فهي تكون بذلك أكثر عُرضة للاحتلال، وذلك حيث أن المجتمع الدولى أصبح على أهبة الاستعداد لضرب أي دولة باستخدام السلام النووي في حالة كانت الطريقة الوحيدة التي تكبح امتلاكها له، ولذلك نجد ان هناك قوانين دولية صارمة ليست فقط على خطوة صناعة السلاح النووي ولكن أيضًا على عملية القيام بتخصيب “اليورانيوم” بهدف الاستخدام السلمي إلا بعد خضوع الدولة التي ترغب في القيام بذلك إلى نقاشات عديدة واستلام تصاريح لا حصر لها.
معجزة الجابون من اكتشاف فرنسي
اكتشف بعض العلماء فرنسي الجنسية داخل دولة تسمى “الجابون” أثناء قيامهم ببعض الأعمال التقليدية المتعلقة بالتنقيب حدوث قلة في معدلات اليورانيوم الخام وهذه النسبة كانت كافية لإنتاج عدد ستة قنابل نووية تفوق قنبلة هيروشيما من حيث القوة، وتعتبر الجابون هي دولة أفريقية تقع في الجزء الغربي والمركزي لقارة تحديدًا على ساحل “المحيط الأطلسي” ومساحتها تبلغ مائتين وسبعين ألف كم مربعا، ويعيش داخلها مايقل عن اثنين مليون نسمة، وأصبحت حرة من الاحتلال الفرنسي عام 1960، ولكن ظل لفرنسا بعض الحقوق في الجابون مثل حق القيام بعمليات التنقيب وتنفيذ المشروعات، وعاصمة الجابون هي المدينة الأكبر بها “Libreville” الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من الدولة، بينما نجد ان هناك مقاطعة متواجدة في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد غنية بالثروات الطبيعية والمعادن والتي تحمل اسم “France ville” و”اوكلو”.
ما تم اكتشافه داخل اوكلو
خلال بعض أعمال التنقيب التي تقوم بها الدولة الفرنسية عام 1972 والتي من خلالها تم اكتشاف عنصر اليورانيوم الذي بات الأهم في صناعة القنابل النووية، اكتشف العلماء أن نسبة اليورانيوم 235 عن المعدلات الطبيعية وذلك يُعني أنه تم استخلاصه من الشكل الخام والتي من خلالها يمكن إنتاج ستة قنابل نووية أقوى من قنبلة “هيروشيما”، ووضع لذلك عدة احتمالات مثل أن تكون الجابون استطاعت أن تنتج القنبلة النووية أو استخلاص هذه المادة وبيعها لمجموعة من منظمات الإرهاب، وفي صدد ذلك بدأت التحقيقات من مختلف الجهات والتي استمرت لفترة طويلة، ولكن ظهرت مفاجأة حقيقة تفوق احتمالية امتلاك الجابون ستة قنابل نووية، فماذا تتوقع أن تكون؟.
المفاعلات النووية والتفاعلات المتسلسلة
المفاعل النووي يمكن وصفه بأنه جهاز لديه القدرة على احتواء التفاعل النووي المتتابع، ومن خلال هذا التفاعل يتم الحصول على أقصى استفادة من الطاقة التي تنتج في مختلف الاستخدامات، ولكن قبل أن تتم عملية التفاعل النووي المتسلسل يتم البدء بتنفيذ إجراءات بدائية متعددة أبرزها استخلاص “اليورانيوم 235” من الخام وخلال هذه المرحلة يعمل العلماء على تجميع ما يطلق عليها “الكعكة الصفراء yellow cake” والتي تُوصف بأنها عجينة من اليورانيوم مائتين خمسة وثلاثون ويعمل العلماء على رفع تركيز اليورانيوم بها حتى الوصول إلى النسبة اللازمة، ثم يبدأ العلماء في استخدام النيوترونات لقصف ذرات اليورانيوم ولكن قبله ما تسمى بـ “عملية القصف” يقوم العلماء بتجهيز مادة وسيطة يطلق عليها ” الموديريتور” أو المادة المهدئة وهي الماء ومن دونها تكون حركة النيوترونات سريعة للغاية وبالتالي عدم بدء التفاعل، ويميل العلماء بشكل أكبر نحو استخدام الماء الثقيلة والتي يتم تكوينها من خلال نظير الهيدروجين الذي يُرمز لها بـ ” D2O” بدلًا من الماء التقليدية التي تتكون من الهيدروجين وتحمل رمز “H2O”، وهنا تبدأ مرحلة التفاعل من خلال قصف ذرات اليورانيوم بالنيوترونات والتي ينتج عنه حدوث انشطار للأنوية الذرية وتحرير ما تحتوى عليه وأبرزها هي نيوترونات جديدة والتي تصطدم بذرات جديدة أيضًا ومن ثم تكرار العملية ذاتها عدة مرات فيما يسمي بـ “التفعال النووي المتسلسل” والتي تظل مستمرة حتى انتها كافة الذات المتواجدة أو عند حدوث تدخل بشري متمثل في سحب المادة الوسيطة استعادة سرعه النيترونات وتوقف التفاعل.
المفاجأة الكبري “المفاعل النووي الطبيعي”
بعد الاطلاع على الخطوات التي يتم بها التفاعل النووي والتأكد أنها معقدة وطويلة وتتطلب دقة بالغة، نتوصل إلى أن جميع الخطوات التي تم ذكرها نشأت بفعل الطبيعة، وذلك توضيحًا لكيف وفرت الطبيغة كل الامكانيات اللازمة:
- تجهيز المفاعل النووي: حيث تم هذا التفاعل داخل كهف في أعماق الأرض.
- استخلاص اليورانيوم 235 ورفع تركيزه: الخطوتين هاتين تتم من خلال اكسدة خام اليورانيوم ذو التركيز العالي والتي فتحت أمامه المجال للذوبان في الماء ومن ثم انفصال نظائره، وهذا اليورانيوم يتواجد في الطبيعة منذ اثنين مليار سنة وهذا يجعله مختلفًا عن اليورانيوم المتواجد الآن الذي لا يتأكسد في الطبيعة، فضلًا عن تعرض كوكب الأرض لحدث “الأكسدة العظيم” والذي حدث هو كميات كبيرة من البكتيريا والطحالب بدأت بضخ الاكسجين في الغلاف الجوي ومن ثم اكسدة كميات كبيرة من اليورانيوم وذوبانه في الماء.
- النيوترونات: كانت متواجدة بكميات كبيرة في المكان فضلا عن أن اليورانيوم عنصر مشع وتواجده منذ سنوات طويلة ضخت كميات كبيرة من الإشعاع والتي ساعدت في تواجد الكميات اللازمة من النيوترونات.
- المادة المهدئة: يعرف عنها أن لديها القدرة على المرور في الصخور ونرى ذلك في المياه الجوفية الكامنة في أعماق الأرض.
نبذة حول اليورانيوم
اليورانيوم عنصر مشع ويتواجد في الطبيعة في شكل خام متكون من 3 نظائر هما يورانيوم 238، يوارنيوم 235، ويورانيوم 234، والنظائر ماهي إلا أشكال متعددة للعصر ذاته ولكن التباين الوحيد يتمثل في عدد النيوترونات، وهذا التباين لا يؤدي إلى تغيير العنصر ولكن الحد من قدرته على الانغماس في مختلف التفاعلات، ويأتي توزيع النظائر الثلاثة في الخام كما يلي:
- اليورانيوم 238: الأكثر تواجدًا في الهيئة الخام، وله معدل تركيز يبلغ 99.275%.
- اليورانيوم 235: متواجد بنسبة صغيرة وغير متحركة والتي تبلغ فقط 0.720%.
- اليورانيوم 234: نسبته قليلة للغاية تم تقديرها بـ 0.005%.
ولكن يظل التركيز الأكبر منصبًا على اليورانيوم 235 وذلك لأن هذا النوع يدخل في استخدامات عديدة من حولنا، والذي يتم إجراء عملية فصل له من القطعة الخام فيما يطلق عليها “التخصيب النووي” والتي يتم فيها رفع نسبة التركيز من هذا النوع وبالتالي تحقيق أقصى استفادة منه في الأغراض السلمية، ولكن في حالة استمرار عملية التخصيب حتى بلغت تركيزات مرتفعة فهو بذلك يكون مناسب لإنتاج قنبلة نووية ويجب معرفة أن عملية التخصيب هذه تتم على أيام طويلة وتكون شاقة ولهذا السبب لا يتم اخفاؤها.
كيف تم إنتاج التفاعل بشكل متسلسل والتحكم فيه؟
يبدأ التفاعل المتسلسل بمجرد أن تصبح كل الظروف اللازمة له متوفرة، ولكن مع بدء التفاعل وبدء تحرر الطاقة وارتفاع درجات الحرارة تقوم كمية الماء المسربة بالتبخر وبالتالي انعدام المادة المهدئة وبذلك تعود السرعة للنيوترونات وبالتالي توقف التفاعل وأخذ درجات الحرارة في الانخفاض تدريجيًا، وبعد مرور السنوات تتسرب المياه مرة أخرى وبدأ التفاعل مرة أخرى وإيقافه مرة اخرى بعد استنزاف كمية المياه، ويظل سؤال العلماء قائمًا حول هل يمكن اكتشاف مفاعل نووي طبيعي مرة أخرى؟.