“قصة غريبة”…تعرف على قصة المثل الشعبي .. «اللي اختشوا ماتوا» | مش هتتخيل اصل المثل

تعتبر الأمثال الشعبية من أبلغ وأجمل ما يملكه الشعب المصري من حكمة وتجربة حياتية، فهي تُعبّر عن مشاعر الناس وتراكمات ثقافية على مر العصور، وتقدم لنا طرقًا عملية لفهم الواقع والتعامل مع مختلف المواقف الحياتية. ولعلَّ المثل الشائع “اللي اختشوا ماتوا” يعد أحد أكثر الأمثال تداولاً في المجتمع المصري، حيث يُستخدم بكثرة للإشارة إلى الجُرأة، أو للتعبير عن التهكم تجاه شخص يخجل أو يتردد في اتخاذ قرار ما.

المثل في حياتنا اليومية

المثل يُقال بشكل عام على الشخص الذي يتصرف بجرأة وقحّة، دون أن يهتم بردود الفعل أو ما يمكن أن يترتب على تصرفاته من نتائج. لكن في بعض الأحيان يُستخدم هذا المثل بشكل مغاير في المواقف التي تحتاج إلى تحفيز الشخص للتغلب على خجله والتخلص من تردده في اتخاذ خطوة جريئة.

لكن، وفي بعض الأحيان قد يقال “اللي اختشوا ماتوا” بطريقة تُشعرنا وكأننا نتحدث عن نقيض للآداب الاجتماعية. حيث يظهر المثل كأن الذين ما زالوا على قيد الحياة هم فقط من تخلوا عن حيائهم، وأصبحوا يتسمون بصفات سلبية بعيدًا عن الأخلاق والمبادئ.

القصة الحقيقية وراء المثل

الحديث عن هذا المثل قد يثير تساؤلات حول أصل هذا القول، وهل هو بالفعل بمثابة تحقير للذين يخجلون؟ أم أن له بعدًا أعمق من ذلك؟ في الواقع، قصة هذا المثل ليست كما يظن البعض، بل تحمل بين طياتها حادثة تاريخية مأساوية، وتُبيّن لنا كيف تطور هذا التعبير إلى ما هو عليه الآن.

ترجع أصل القصة إلى الحمامات العثمانية القديمة، التي كانت تستخدم الحطب والأخشاب والنشارة لتسخين المياه والأرضيات من أجل توليد البخار. كانت القباب والسقوف في هذه الحمامات مصنوعة من الخشب، مما جعلها عرضة للحرائق. وفي يوم من الأيام، وقع حريق في أحد الحمامات المخصصة للنساء، وكانت معظم النساء يستحممن عاريات تحت البخار الكثيف. وبينما هربت معظم النساء اللاتي كن يرتدين بعض الملابس، فضّلت بعضهن الموت على الخروج عاريات، خوفًا من الفضيحة.

وعندما عاد صاحب الحمام وسأل البواب عما إذا كانت هناك حالات وفاة، أجابه البواب قائلاً: “نعم، اللي اختشوا ماتوا”. وبهذا أصبحت تلك الجملة مثلًا يُستخدم للإشارة إلى أن الأشخاص الذين يشعرون بالخجل قد غادروا الحياة، في حين أن الذين لم يشعروا بالخجل هم من بقوا على قيد الحياة.

المثل في سياق اليوم

تظل هذه القصة بمثابة تذكير لنا بأن الحياء ليس سمة ضعيفة، بل هو جزء من الهوية الإنسانية التي تعكس احترام النفس والآخرين. ومع ذلك، أحيانًا يقال هذا المثل في سياقات أخرى لا تتعلق بالحياء، بل تشير إلى الأشخاص الذين ينسبون الإنجازات لأنفسهم رغم أنهم لم يبذلوا أي جهد في تحقيقها.

يبدو أن هذا المثل قد تطور ليصبح تعليقًا على الظروف الاجتماعية والسياسية. فهو يذكرنا بالمواقف التي نشهد فيها بعض المسؤولين الذين يفاخرون بإنجازات لم يشاركوا في صنعها، أو الذين يهربون من مسؤولياتهم ويتركوا الآخرين لتحمل الأعباء.

الدعوة للتفكير والتأمل

كما أن المثل يذكرنا بضرورة التريث وحكمة اختيار المسؤولين، وتفادي الانسياق وراء الأقوال الفارغة، لأننا قد نجد أنفسنا في لحظة ما نردد في السر والعلن “اللي اختشوا ماتوا”. فالمثل هنا يُشير إلى خطورة التهور والتمادي في اتخاذ قرارات غير مدروسة دون اعتبار للنتائج المترتبة على ذلك.

في الختام، لا يمكن تجاهل القيمة الثقافية التي تحملها الأمثال الشعبية، فهي ليست مجرد كلمات تُقال عشوائيًا، بل تعكس فلسفة حياة وقيمًا وأخلاقيات متوارثة، تؤثر في طريقة تفكيرنا وتعامُلنا مع الحياة.

إذا كنت ترغب في معرفة المزيد من أصل وأسباب الأمثال الشعبية، تابعنا في مقالات جديدة تروي لنا قصصًا تاريخية مدهشة وراء أروع وأشهر الأمثال التي تُستخدم يوميًا.