في أعماق الأرض، تختبئ مدينة أثرية مذهلة تحت الرمال والجبال، شاهدة على عظمة الحضارات القديمة التي أبدعت في التكيف مع ظروف الحياة القاسية، ونتحدث هنا عن مدينة “ديرنكويو” في تركيا التي تعد واحدة من أعظم الاكتشافات الأثرية في العالم، وهذه المدينة تحت الأرض كانت موطنًا لما يقرب من 45 ألف شخص، مما يثير التساؤلات حول الطريقة التي عاشوا بها حياتهم اليومية، وكيف تمكنوا من بناء مجتمع كامل تحت الأرض دون الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة.
لمحة عن مدينة ديرنكويو
تم اكتشاف مدينة ديرنكويو في منطقة كابادوكيا بتركيا في الستينيات، وذلك بالمصادفة عندما كان أحد السكان المحليين يحفر لإجراء تجديدات في منزله، وسرعان ما تبين أن ما تحت منزله ليس مجرد كهف، بل ممرات وسلالم تمتد إلى مدينة كاملة مكونة من طوابق متعددة تصل إلى 60 مترًا تحت الأرض.
كيف كانوا يعيشون؟
التصميم المعماري المذهل:
- المدينة تحتوي على 18 طابقا تحت الأرض، لكن يعتقد أن 8 طوابق فقط كانت تستخدم بشكل منتظم.
- الغرف مصممة لتكون متعددة الاستخدامات: منها غرف النوم، المطابخ، المعابد، وحتى أماكن لتربية المواشي.
- ممرات سرية تربط بين أجزاء المدينة، إضافة إلى آبار تهوية عبقرية تضمن تدفق الهواء النقي.
إمدادات الطعام والماء:
- سكان المدينة اعتمدوا على تخزين الطعام في مخازن خاصة تحت الأرض، حيث تحافظ الظروف الباردة على طعامهم لفترات طويلة.
- تم حفر آبار عميقة لتوفير مياه الشرب للسكان.
التكيف مع الظلام:
كان الإضاءة تعتمد على مشاعل الزيت التي تنتشر في الممرات والغرف، مما جعل الحياة ممكنة في هذه الظلمة الدامسة.
الدفاع عن النفس:
المدينة مجهزة بأبواب حجرية ضخمة يمكن إغلاقها لحماية السكان من الغزاة، إضافة إلى ممرات معقدة مصممة لتضليل أي معتد.
النظام الاجتماعي:
رغم الحياة في أعماق الأرض، عاش السكان بتنظيم اجتماعي محكم، مع وجود أماكن للعبادة والتعليم، مما يعكس تقدمهم الثقافي.
لماذا تم بناء المدينة؟
يعتقد أن مدينة ديرنكويو بنيت كملاذ للسكان هربًا من الحروب أو الكوارث الطبيعية، وتشير الأدلة إلى أن المدينة كانت تستخدم بشكل متكرر خلال فترات الغزو، حيث كانت توفر ملجأ آمنا لآلاف الأشخاص لفترات طويلة.
ديرنكويو اليوم:
تعتبر مدينة ديرنكويو واحدة من أشهر المعالم الأثرية في تركيا، وتجذب آلاف السياح سنويا لاستكشاف هذه التحفة المعمارية الفريدة، السير في ممراتها يثير الدهشة ويجعل الزائر يتساءل: كيف عاش هؤلاء الناس بهذه البساطة والإبداع في أعماق الأرض.
مدينة ديرنكويو ليست مجرد أثر قديم، بل هي شهادة حية على عبقرية الإنسان في مواجهة التحديات. السؤال الذي يبقى دائمًا: “كانوا عايشين كده إزاي؟” الإجابة تكمن في الروح البشرية التي لا تتوقف عن الإبداع والتأقلم مع أصعب الظروف.