لطالما ارتبط الذهب بالثروة والقيمة، وأصبح رمزًا عالميًا للرفاهية والاستقرار الاقتصادي. لكن ما قد يدهش الكثيرين هو أن الذهب لا يقتصر وجوده على المناجم والأنهار فقط، بل يتواجد أيضًا في مياه البحار والمحيطات بكميات ضخمة. تشير الدراسات إلى أن مياه المحيطات تحتوي على نحو 20 مليون طن من الذهب الذائب. ومع أن هذا الرقم يبدو خياليًا، إلا أن استخراجه عمليًا يكاد يكون مستحيلًا، وإليك الأسباب التي تجعل هذا الكنز بعيد المنال.
لماذا يصعب استخراج الذهب من مياه البحار؟
1. التركيز المنخفض للذهب:
الذهب الموجود في مياه البحار ذائب على شكل أيونات، وليس في صورة قطع صلبة أو رواسب مرئية.
- يُقدر تركيز الذهب في كل لتر من ماء البحر بنحو 13 جزءًا في التريليون، أي ما يعادل 0.000000013 غرام لكل لتر.
- لاستخراج غرام واحد فقط من الذهب، ستحتاج إلى معالجة ما يزيد عن 76,923,076 لترًا من المياه!
هذا التركيز الضئيل يجعل عملية الجمع والاستخلاص معقدة وغير فعالة بالتقنيات الحالية.
2. التكلفة الاقتصادية العالية:
حتى باستخدام أكثر الوسائل تقدمًا، تظل تكاليف استخراج الذهب من مياه البحر مرتفعة للغاية:
- تحتاج العملية إلى معدات عالية التقنية ومعالجة كيميائية متقدمة لفصل الذهب عن المياه.
- تكلفة استخراج غرام واحد من الذهب من مياه البحر تتجاوز قيمته السوقية بعدة أضعاف.
على سبيل المثال، إذا كان سعر غرام الذهب حاليًا حوالي 60 دولارًا، فإن تكلفة استخراجه من البحر قد تصل إلى آلاف الدولارات لكل غرام، مما يجعل المشروع غير مربح اقتصاديًا.
3. التأثير البيئي الضخم:
استخراج الذهب من مياه البحار يتطلب معالجة كميات هائلة من المياه، وهو ما يحمل تأثيرات بيئية خطيرة:
- تلوث المياه: العمليات الكيميائية قد تُلوث المياه بمخلفات سامة تؤثر على الحياة البحرية.
- تهديد النظام البيئي البحري: استنزاف الموارد المائية أو تغيير خصائص المياه قد يؤثر على الكائنات البحرية والشعاب المرجانية.
- زيادة الانبعاثات الكربونية: نتيجة للطاقة الكبيرة المطلوبة في عمليات الاستخلاص.
هذه العوامل تجعل الاستخراج على نطاق واسع غير مستدام بيئيًا.
4. الابتكارات غير الكافية:
رغم التقدم الهائل في التكنولوجيا، لا تزال التقنيات الحالية غير قادرة على التعامل مع تعقيد الذهب الذائب بكفاءة:
- الذهب الذائب يتفاعل بشكل خاص مع عناصر أخرى في الماء، مما يجعل استخلاصه صعبًا.
- بعض المحاولات لتطوير مرشحات أو أغشية كيميائية لفصل الذهب لم تثبت جدواها على المستوى الصناعي.
إلى اليوم، لم يتم تطوير طريقة اقتصادية وصديقة للبيئة قادرة على تحقيق استخراج فعّال ومستدام.
ثروة طبيعية تفوق قدرات الإنسان
رغم وجود هذه الكميات الهائلة من الذهب في مياه البحار، تظل العوائق التقنية والاقتصادية والبيئية حاجزًا أمام استغلالها.
- في الوقت الحالي، يبقى هذا الذهب بمثابة كنز طبيعي غارق في أعماق المحيطات، يذكرنا بأن الطبيعة تخفي ثروات تتجاوز قدرة الإنسان على استغلالها.
- ربما في المستقبل، مع تطور تقنيات النانو أو اكتشاف طرق جديدة لفصل المعادن، قد يصبح استخراج الذهب من مياه البحار ممكنًا وفعّالًا.
حتى ذلك الحين، يظل الذهب في مياه المحيطات رمزًا لغنى الطبيعة وحدود التكنولوجيا البشرية.