في إنجاز علمي كبير، كشف باحثون عن مجرى قديم لنهر النيل كان يجري بجانب أهرامات الجيزة، مما يعيد تشكيل فهمنا لكيفية بناء هذه الصروح العظيمة. الدراسة، التي نشرت في مجلة “كوميونيكيشنز إيرث أند إنفايرنمنت”, أكدت أن هذا النهر، الذي ظل مدفوناً لآلاف السنين، كان له دور حاسم في تسهيل عمليات البناء ونقل الأحجار الضخمة.
ظهور مفاجئ بجوار مياه النـيل يخلّي الناس في حالة ذهول ورعب في أمريكا
استخدم العلماء تقنيات الاستشعار الراداري بالأقمار الصناعية للكشف عن مجرى نهر كان يبلغ طوله 64 كيلومتراً وعرضه بين 200 و700 متر، وهو ما يعادل تقريباً عرض مجرى النيل الحالي. كان هذا النهر يتدفق بالقرب من 30 هرماً في مصر القديمة، بما في ذلك أهرامات الجيزة، مما جعله طريقاً مثالياً لنقل الأحجار الضخمة والعمال إلى مواقع البناء.
هذا الاكتشاف يفسر سبب تمركز العديد من الأهرامات في منطقة الجيزة، حيث كان الموقع قديماً يتمتع بوفرة المياه، مما سمح للمصريين القدماء ببناء أهراماتهم في أماكن يسهل الوصول إليها عبر النقل النهري.
كيف استغل المصريون القدماء فيضان النيل؟
تشير الأدلة إلى أن المصريين القدماء استخدموا الطفو كوسيلة أساسية لنقل الأحجار الضخمة. فقد كانوا يصنعون طوافات خشبية من أشجار الجميز ويربطون بها الكتل الحجرية، ثم يستغلون ارتفاع منسوب النيل خلال الفيضان لنقل هذه الأحجار مباشرة إلى مواقع البناء.
كان الفيضان السنوي لنهر النيل يرتفع ليصل إلى المناطق القريبة من الأهرامات، مما يسمح للعمال باستخدام موانئ نهرية وممرات خاصة لنقل المواد الثقيلة بسهولة. تؤكد الباحثة إيمان غنيم، قائدة فريق البحث، أن الأدلة الجديدة تثبت أن العديد من الأهرامات كانت متصلة بموانئ نهرية لعبت دوراً محورياً في عملية البناء.
التكنولوجيا الحديثة تكشف أسرار الأهرامات
اعتمد الباحثون على صور الأقمار الصناعية الرادارية، التي تمتلك قدرة استثنائية على اختراق الرمال والكشف عن التضاريس المدفونة. وبفضل هذه التقنية، تمكن العلماء من رسم خريطة واضحة للنهر المخفي، والذي ظل طي النسيان بسبب التحولات الجغرافية التي طرأت على المنطقة، خاصة بعد بناء سد أسوان في القرن العشرين.
لم تقتصر الدراسة على الصور الفضائية فقط، بل تضمنت أيضاً تحليلات ميدانية وحفر عميقة في التربة، أكدت وجود طبقات رسوبية تثبت أن هذا النهر كان يتدفق في الماضي، مما يقطع الشك باليقين حول دوره في بناء الأهرامات.
الأهرامات والموانئ النهرية: علاقة أوثق مما كنا نعتقد
تكشف هذه الدراسة عن جانب جديد من عبقرية المصريين القدماء في تخطيط المدن والبنية التحتية. فقد أظهرت الأدلة أن الأهرامات لم تكن مجرد صروح ضخمة وسط الصحراء، بل كانت جزءاً من شبكة لوجستية معقدة تعتمد على النقل النهري.
كانت العديد من الأهرامات تحتوي على ممرات مرتفعة تؤدي إلى معابد في الوادي، والتي كانت بمثابة موانئ نهرية تسمح بتفريغ الأحجار ونقلها إلى مواقع البناء بسهولة. هذا الاكتشاف يعزز فرضية أن المصريين القدماء استخدموا وسائل نقل متطورة تتناسب مع البيئة الطبيعية التي عاشوا فيها.
ما الذي يعنيه هذا الكشف للمستقبل؟
يُعد هذا الاكتشاف خطوة هامة في فهمنا لحضارة مصر القديمة، حيث يفتح المجال لمزيد من الأبحاث حول العلاقة بين الأنهار القديمة والهياكل الأثرية. ومع تطور تقنيات الاستشعار عن بعد، قد نتمكن مستقبلاً من كشف المزيد من الطرق المائية التي لعبت دوراً في بناء الحضارة المصرية.
كما يأتي هذا الكشف بعد أيام من اكتشاف هيكل جديد بجوار هرم خوفو، مما يشير إلى أن الأهرامات لا تزال تخفي العديد من الأسرار التي لم تُكشف بعد.