مع بدء شهر رمضان، تتجدد كل عام إحدى الفتاوى المنسوبة لبعض شيوخ السلفيين تحرم تناول والإفطار على ما يعرف عند المصريين بـ”الخشاف”، بحجة ما يجمعه من مجموعة عناصر من بينها التمر والزبيب، مستندين لما جاء في الحديث الصحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام، كما روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا، ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعا.
جمع التمر والزبيب
وسبب التحريم هو أن جمع التمر والزبيب وتخميرهما يحولهما إلى مادة مسكرة، ولذلك نهانا الإسلام عن كل ما هو مسكر ولو بدرجة متدنية، وما يُفند هذا الرأي ما جاء في قول الإمام النووي في شرح مسلم: لا تجمعوا بين الرطب والبسر وبين الزبيب والتمر بنبذ، وفى رواية: من شرب النبيذ منكم فليشربه زبيبا فردا أو تمرا فردا أو بسرا فردا، وفى رواية: لا تنتبذوا الزهو والرطب جميعا.
تشير هذه الأحاديث إلى النهى عن انتباذ الخليطين وشربهما وهما تمر وزبيب أو تمر ورطب أو تمر وبسر أو رطب وبسر أو زهو وواحد من ذلك المذكورات ونحو ذلك، كما أوضح أصحابنا وغيرهم من العلماء سبب الكراهة فيه أن الإسكار يسرع إليه نتيجة الخلط قبل أن يتغير طعمه فيعتقد الشارب أنه ليس مسكرا، ويكون مسكرا، وأوضح مذهبنا ومذهب الجمهور أن ذلك النهى لكراهة التنزيه ولا يحرم ذلك ما لم يصر مسكراً، وباختصار فإن النهي إنما هو للكراهة، وإنما هو فيما يتسبب الخلط فيه في سرعة الإسكار إليه فإن علم الإسكار فلا شك في التحريم.
وفي وقت سابق، صرح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الدكتور أحمد كريمة، كشف أن الثابت والصحيح أن النبي كان ينتبذ (يخلط) الفواكه وتقدم إليه ويشرب منها، وهو ما عرف عند العرب بـ”النبيذ”، مؤكدًا على أن النبيذ قديما ليس النبيذ بمعناه المعاصر، إلا أنه هو الخشاف في عالمنا هذا، مضيفًا أن الخشاف مبني على الحل، ولا علاقته له بالخمور والمسكرات، مشيرًا إلى أن الخمر تغلى أولاً حتى يقذب العنب الزبد الذي بداخله، ثم يبرد ويشرب، فلذلك يسكر، قائلا “هذا لا يحدث مع الخشاف، فهو لا يغلى ولا يقذب زبده بسبب الحرارة، فالخشاف حلال وجائز بإجماع أئمة العلم الذين يعتد بهم”.