محاولة اغتيال الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترمب، خلال خطابه بولاية بنسلفانيا، تجعلنا نسترجع تاريخ الاغتيالات لرؤساء الدول حول العالم، حيث تعرض أربعة رؤساء أمريكيين للاغتيال خلال أقل من 100 عام، ولا تزال هناك محاولات استهداف رؤساء آخرين يخطط لها.
تشير الدراسات إلى أن حوادث الاغتيال تشكل ظاهرة عالمية، تصيب جميع الدول بغض النظر عن نظامها السياسى أو مستواها الاقتصادى.
يعتبر اغتيال الرئيس الأمريكى جون كينيدى عام 1963 من أشهر حوادث الاغتيال السياسى عبر التاريخ ولا يزال الغموض يلف ملابسات ودوافع اغتياله، واعتقل المتهم هارفى أوزولد فى دالاس، لكنه نفى التهم التى وجهت له مدعيا أنه «مجرد شخص ساذج»، ووفقا لتقرير أعدته لجنة التحقيق فى الاغتيالات التابعة لمجلس النواب عام 1979 أن هناك جماعة مسلحة وراء هذا الاغتيال.
وسجل الأرشيف الوطنى الأمريكى أن هناك محاولات اغتيال لواحد من بين كل 5 رؤساء أمريكيين، وقتل واحد من كل تسعة رؤساء، بدأت منذ 15 أبريل عام 1865.
بعد 5 أيام فقط على انتهاء الحرب الأهلية فى أمريكا، اغتيل الرئيس الأمريكى أبراهام لينكولن أثناء حضوره عرضا مسائيا لمسرحية «ابن عمنا الأمريكى» بمسرح فورد فى العاصمة واشنطن عندما أطلق جون ويلكس بوث النار عليه.
وتعرض لينكولن لعملية اغتيال بسبب مواقفه المناهضة للعبودية والتى أثارت غضب الكثيرين من المتنفذين داخل الدولة واقتصادها، ففى أعقاب نجاح أبراهام لينكولن فى قيادة الجيوش الشمالية وإلحاق الهزيمة بالجنوبيين الذين انفصلوا بولايتهم رفضاً لإلغاء قانون الرق والعبودية فى البلاد مُشعلين حرباً أهلية، تمكّن لينكولن من إنهائها وتمرير قانون الرّق بعد ذلك بحنكته ودهائه.
وكانت عملية الاغتيال التالية من نصيب الرئيس الـ20 للولايات المتحدة، جيمس جارفيلد، الذى أُطلقت عليه رصاصة من الخلف فى يوليو 1881 بعد أقلّ من 4 شهور على تسلّمه منصبه.
وقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا عددًا من محاولات اغتيالات الرؤساء الفاشلة، ففى عام 1933، وبنفس الطريقة التى اغتيل فيها جون كينيدى، أطلق الإيطالى جوزيبى زانجارا خمس رصاصات باتجاه موكب الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت أثناء سيره فى ولاية فلوريدا، فى محاولة لقتله، لكن لم تصبه أيّ مِن الرصاصات. وقُتل بدلاً منه رئيس بلدية شيكاغو.
وفى محاولة فاشلة أخرى، تعرّض عام 1981 الرئيس الأمريكى الأشهر ونجم هوليوود السابق، رونالد ريغان، أثناء خروجه من فندق هيلتون فى واشنطن، حيث أُصيب الرئيس فى رئته لكنه لم يمت، وتمكّن من إكمال فترته الرئاسية.
وفقًا لتقارير مكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI)، فإن هذه الاغتيالات كانت نتيجة لعوامل سياسية وأيديولوجية معقدة، بما فى ذلك الصراعات بين التيارات المتطرفة والحكومة المركزية. وأشار باحث فى مركز الدراسات الاستراتيجية إلى أن «هذه الاغتيالات أثرت بشكل كبير على الاستقرار السياسى والأمنى فى الولايات المتحدة على مدار التاريخ».
وتباينت أسباب حوادث الاغتيال السياسى، وبعضها تسبب فى اندلاع أزمات وحروب مدمرة وبعضها غيَّر مجرى التاريخ، ونستعرض أهم الاغتيالات التى جرت فى القرن الماضى والحالى وخاصة فى منطقة الشرق الأوسط، وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، مدعمين ذلك بآراء المتخصصين والإحصاءات الرسمية.
اغتيالات الوطن العربى
شهد الوطن العربى العديد من حوادث اغتيالات الرؤساء على مر التاريخ، ومن أبرزها اغتيال الرئيس السادات فى مصر عام 1981 على يد جماعة «الجهاد الإسلامى»، واغتيال الرئيس بشير الجميل فى لبنان عام 1982 قبل توليه منصبه.
وفى تحقيقات النيابة بعد الاغتيال، قال المتهم الأول عضو تنظيم «الجماعة الإسلامية» خالد الإسلامبولى عندما سُئل عن سبب قتله للسادات إن «القوانين التى يجرى بها الحكم فى البلاد لا تتفق مع تعاليم الإسلام وشرائعه، وبالتالى فإن المسلمين كانوا يعانون كافة صنوف المشقات، معترضة على معاهدة كامب ديفيد التى أجراها السادات مع اليهود.
وبالسعودية فى 25 مارس قتل ثالث ملوك المملكة العربية السعودية فيصل بن عبدالعزيز آل سعود على يد ابن شقيقه الأمير فيصل بن مساعد بإطلاق النار عليه داخل القصر فى حادث لا يزال يحيط به بعض الغموض، وكان فيصل أكثر نشاطا وتحديثا من سابقيه فى البرامج الاقتصادية والتعليمية. وعلاوة على ذلك، جعلت إصلاحاته البيروقراطية المالية العامة للدولة وعملياتها أكثر كفاءة.
وفى ٢٩ يونيو بالجزائر، تم اغتيال الرئيس الجزائرى الأسبق محمد بوضياف فى قاعة المركز الثقافى بمدينة عنابة، عقب قضائه 166 يوما فقط فى الحكم، اغتيل بوضياف بنيران حارسه الجندى مبارك بومعرافى. ولا يزال الغموض يحيط بملابسات ودوافع والجهات التى تقف وراء اغتيال بوضياف.
ويعد الجزائرى بوضياف أبرز الوجوه التاريخية للثورة الجزائرية ضدَّ الاستعمار الفرنسى، وأحد مؤسسى جبهة التحرير الوطنى.
وفى لبنان لحظة تحول كبرى وقعت باغتيال رئيس الوزراء اللبنانى السابق، رفيق الحريرى، فى 14 فبراير 2005، وقع انفجار شاحنة محملة بالمتفجرات لدى مرور سيارة الحريرى قرب فندق سان جورج ببيروت أثناء عودته من جلسة برلمانية.
وتفجرت احتجاجات شعبية أفضت إلى إنهاء الوجود العسكرى السورى الذى دام هناك 29 عاما، وأفرز تحالفات سياسية استمر بعضها حتى وقتنا الحالى، ويرجع كثيرون للحريرى الفضل فى نهوض لبنان بعد حرب أهلية استمرت 15 عاما.
وفى عام 2007 أنشأت الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية المحكمة الخاصة بلبنان فى لاهاى بهولندا، للتحقيق فى عملية اغتيال الحريرى وحوادث قتل سياسية أخرى وقعت فى الفترة التى تلتها. وقد وجهت المحكمة الدولية الاتهامات لأربعة أعضاء فى حزب الله.
ووفقًا لخبراء السياسة، فإن هذه الاغتيالات كانت نتيجة للصراعات السياسية والأيديولوجية فى المنطقة، وتشير حوادث الاغتيال إلى وجود فشل فى آليات الأمن والحماية.
اغتيالات فى أوروبا وآسيا
شهدت أوروبا أيضًا عددًا من حوادث اغتيالات الرؤساء، ومن أبرزها اغتيال رئيس الوزراء السويدى أولوف بالمى عام 1986، اغتيال رئيس الوزراء الإيطالى أليدو مورو عام 1978، اغتيال الرئيس البرتغالى أمليكار كابرال عام 1974.
فى روسيا اغتيل القيصر ألكسندر الثانى عام 1881 على يد مجموعة من الثوار، وهو ما يُعتبر نقطة تحول فى تاريخ روسيا.
فيما اغتيل ولى عهد النمسا فرانتس فرديناند عام 1914 على يد صربى، وهو ما أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وفى إسرائيل عام 1995 كان رئيس الحكومة الإسرائيلية يشارك فى مسيرة مؤيدة للسلام مع الفلسطينيين فى حيفا اقترب اليهودى المتطرف يغال عامير منه وأطلق عليه النار ليوقعه قتيلا.
وتولى رابين رئاسة عدة حكومات إسرائيلية وكان هدفا لهجمات اليمين الإسرائيلى المتطرف بسبب إبرامه اتفاقيات أوسلو مع السلطة الفلسطينية عام 1993.
وفى عام 1948، اغتيل المهاتما غاندى، الزعيم الروحى للهند، على يد ناثورام فيناياك غودسى، وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية، فإن هذه الاغتيالات كانت نتيجة لصراعات سياسية واجتماعية معقدة فى هذه الدول وأنها تعكس تأثير التيارات المتطرفة على الساحة السياسية.
وفى باكستان، قتلت رئيس وزراء السابقة بنظير بوتو فى تفجير انتحارى وإطلاق نار خلال تجمع انتخابى لحزب الشعب الذى كانت تتزعمه بوتو فى مدينة راولبندى فى 27 ديسمبر 2007، وتعد بوتو إحدى أشهر القيادات النسائية فى العالم، واشتهرت كواحدة من أشد المنتقدين للفكر المتطرف فى باكستان.
كانت بوتو أول امرأة تتقلد هذا المنصب لمرتين فى باكستان، والذى أحدث ضجة عالمية، وسط اتهامات للرئيس الباكستانى آنذاك برويز مشرف بتدبير حادث الاغتيال، قبل توجيه الاتهام له رسمياً فى عام ٢٠١٣.
وتعد ظاهرة اغتيالات الرؤساء أبرز التحديات التى تواجه الساحة السياسية على مستوى العالم، وتظهر الإحصائيات أن الرؤساء يعيشون تحت تهديد مستمر، وأن الحماية تزداد مع مرور الوقت، وتشير بعض المراكز البحثية إلى ارتفاع نسبة حوادث الاغتيال فى الدول التى تمر بفترات انتقالية أو تعانى صراعات داخلية.
نقلاً عن جريدة الوفد