كليات القمة حلال على الأجانب.. حرام على المصريين

الدولار كلمة السر فى قبول الأجانب بالجامعات الحكومية ولا عزاء لطلابنا

خبراء: العدالة التعليمية غائبة.. واختبارات القدرات أفضل من التنسيق

 

منذ عدة أعوام قررت وزارة التعليم العالى استقبال مزيد من الطلاب الأجانب للدراسة بالجامعات الحكومية والأهلية، مع منح الطالب الوافد مزايا لا يحصل عليها زميله المصرى، وهو ما أثار استياء واحتقان الشارع المصرى وأولياء الأمور، وطلاب الثانوية العامة الذين يعيشون تحت ضغط عصبى ونفسى ومادى من قبل المدرسين والدروس الخصوصية، فى حين أن الوافدين يحصلون على مزايا عديدة مقابل حفنة دولارات.

فمنذ ثلاث سنوات قامت الوزارة برفع نسبة الطلاب الوافدين من 5% من إجمالى عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات ليصبح 25%، فضلًا عن القبول بكليات الطب بنسب نجاح قليلة لا تزيد على 75% للطب البشرى.

جاءت هذه التسهيلات ضمن مبادرة «ادرس فى مصر» التى تستهدف تقديم خدمات مميزة للطلاب الأجانب وتيسير الإجراءات اللازمة للدراسة فى مصر، فى حين تقبل كليتا الصيدلة وطب الأسنان 70%، وكذلك كليات العلاج الطبيعى والطب البيطرى والهندسة، فى المقابل، كان الحد الأدنى لقبول المصريين بكلية الطب فى الجامعات الحكومية خلال العام الماضى 91.7%، والهندسة 83.17%، والصيدلة 90.24%، كما تقدم مصر خصومًا على المواصلات للطلاب الوافدين تصل إلى 50%، فضلًا عن التأمين الصحى ضد حوادث السفر، وتخصيص مكاتب خاصة لتسهيل الحصول على الإقامة وتجديدها وشراء التذاكر.

وفى يناير 2020، كشفت رئيسة الإدارة المركزية لشئون الطلاب الوافدين بوزارة التعليم العالى رشا كمال عن وصول عدد الطلاب الدارسين بمصر لنحو 87 ألف طالب من 75 جنسية، من بينهم 13 ألف طالب بالجامعات الحكومية، وتتصدر الكويت والأردن وفلسطين وسوريا والسودان قائمة الدول التى ترسل طلابها للدراسة فى مصر، كما أن كليات القطاع الطبى تحصل على النصيب الأكبر، حيث تستوعب حوالى 60% منهم.

وفى سبتمبر 2021، قال وزير التعليم العالى إن عدد الطلاب الوافدين إلى مصر شهد زيادة بنحو 5 أضعاف، ليتجاوز 100 ألف طالب مسجلين بالجامعات الحكومية والخاصة مقارنة بنحو 22 ألفًا عام 2014.

ومنذ عامين، تلقى خالد عبدالغفار وزير التعليم العالى والبحث العلمى، تقريرًا حول حصاد أداء الإدارة المركزية لشئون الطلاب الوافدين خلال العام المالى 2021/ 2022، الذى أفاد بزيادة أعداد الطلاب خلال العام الجامعى 2021/2022، حيث وصل عدد الطلاب الوافدين المُتقدمين للمرحلة الجامعية ليصل إلى 25701 طالب ونفذ منهم عدد 20487 طالبًا بنسبة تنفيذ تصل إلى 79.71%، وكذلك ارتفع عدد الطلاب الوافدين المتقدمين لمرحلة الدراسات العليا ليصل إلى 10138 طالبًا ونفذ منهم عدد 8386 طالبًا بنسبة تنفيذ تصل إلى 82.72%. 

وفى ديسمبر 2023 عقد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، اجتماعاً، مع الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالى والبحث العلمى، تناول فيه نسب ومعدلات التطور فى أعداد الطلاب الوافدين، مشيراً إلى أن عدد الطلاب الوافدين خلال العالم الجامعى 2023/2024 وصل إلى نحو 26 ألف طالب، ما بين طلاب وافدين للدراسة على نفقتهم، أو حاصلين على منح كلية أو جزئية، بينما وصل عدد الطلاب الوافدين لمرحلة الدراسات العليا خلال نفس العام إلى 7000 طالب.

 

نسبة تمثيل الوافدين كارثية

ومن هذا المنطلق، تنامى الجدل المجتمعى حول ما يراه البعض نوعًا من التمييز الممنوح للطلاب الوافدين على حساب أبناء الوطن، بينما يرى آخرون أن جميع الجامعات الحكومية فى مختلف العالم تقوم بهذا الأمر بصدر رحب وبدون تعقيدات، إلا أننا بتنا نرى تسهيلات حكومية منها خفض المصروفات لعدد من الجنسيات مثل السودانيين والسوريين، وأصبح هناك إقبال على الجامعات المصرية من الطلاب الأجانب خاصة العرب، والذين زادت أعدادهم لتماثل أعداد المصريين، الذين حُرمت عليهم الجامعات الحكومية بسبب المجموع.

وفى هذا السياق، رفضت نيرمين مجدى ولية أمر طالب بإحدى كليات الطب الحكومية، زيادة أعداد الوافدين بهذه الكليات، قائلة: «إنه بات من النادر مقابلة طالب مصرى بكلية الطب، فى حين تتعثر داخل أروقتها بطلاب من جنسيات عربية وإفريقية مختلفة، لافتة إلى أنه «بعد سنوات قليلة، لن نجد أطباء فى مصر، فمعظم الخريجين أجانب سيعودون لخدمة بلادهم، أما المصريون فلن يجدوا من يعالجهم».

فى حين أكدت هالة مصطفى والدة الطالب محمد بكلية الهندسة بإحدى الجامعات الخاصة، أن ابنها حُرم من الالتحاق بالجامعات الحكومية بسبب درجة واحدة، بينما الأجانب يلتحقون بجامعاتنا بمجاميع منخفضة جدًا، مشيرة إلى أن السياسات التعليمية الجديدة تميز الأجنبى على حساب المواطن، بل تدفع الأخير للسفر خارج البلاد بحثًا عن خدمة تعليمية أرخص وجودة أعلى.

واتفق معها فى الرأى أحد أولياء الأمور، قائلًا: «كيف لوزارة التعليم أن للجامعات بتخفيض المصروفات الدراسية للوافدين بهدف جذب عدد أكبر منهم، مع خفض التنسيق لهم، فى حين أن الطالب المصرى لا يحصل على هذه التسهيلات، فأى عدل أو دستور أو قانون يقول إن الطلاب الأجانب يحصلون على حق على المصريين، مؤكدًا أن الاستثمار فى التعليم يبدأ من جودة المحتوى والاهتمام بالطالب المصرى قبل الأجنبى».

فى حين أكدت أحد أولياء الأمور والتى رفضت ذكر أسمها، أن قرار خفض التنسيق للوافدين ظلم، مؤكدة أن المصريين الذين يحصلون على الثانوية العامة من الخارج يكون التعامل معهم مختلف، فيضطرون لإجراء معادلة لشهادة الثانوية التى حصلوا عليها، رغم أن زملاءهم فى نفس المدرسة يلتحقون بأعلى الكليات المصرية بمجاميع أقل، متسائلة عن أسباب هذه التفرقة، مشيرة إلى أن القرار «يميز» بينهم وبين زملائهم من أبناء البلدان الأخرى، فالمصريون أحق بهذه الأماكن فى الكليات الموجودة فى بلادهم خاصة أن المصاريف الجامعية المحددة بالدولار قليلة بالنسبة لهؤلاء الأجانب.

وفى تصريحات تليفزيونية سابقة، قال الدكتور صلاح الغزالى حرب، أستاذ الأمراض الباطنية بكلية الطب البشرى جامعة القاهرة والوكيل السابق لشئون الطلاب بالكلية، إن عدد الوافدين بكلية الطب جامعة القاهرة لعام 2021-2022 يبلغ نحو 1300 طالب، فى حين لا يتعدى عدد المصريين 1400 طالب، ورأى أن نسبة تمثيل الوافدين كارثية، إذ إنها تشكل نصف أعداد الملتحقين بالكلية.

تلك النسبة الكارثية- كما يصفها الأستاذ الجامعي- لا تشكل كل اعتراضاته على السياسات الحكومية فى استقبال الطلاب الوافدين، فالطالب الأجنبى الذى يلتحق بكلية طب القاهرة لا يزيد مجموعه بالثانوية العامة على 75%، مقابل اشتراطات على الطالب المصرى بأن يحصل على أعلى الدرجات، وفسّر اتجاه وزارة التعليم إلى استقبال مزيد من الوافدين بتلك التسهيلات الكبيرة بعدم قدرتها على الإنفاق على الكيانات التعليمية والمستشفيات الجامعية، وبالتالى حاولت البحث عن موارد جديدة للإنفاق.

وتعليقًا على هذا ناشد النائب عصام العمدة عضو مجلس النواب، وزير التعليم العالى، إعادة النظر فى زيادة نسبة الطلبة الوافدين، وجعلها قاصرة على الجامعات الأهلية الخاصة، وقصر الجامعات الحكومية على المصريين فقط، حتى لا يشعر المواطن المصرى بأن الأجنبى مميز عنه داخل مصر، وأنه يأخذ مكانه فى الجامعات الحكومية.

 

السياحة التعليمية

ومن جانبها رأت جهاد محمود، الخبيرة التربوية، أن خفض التنسيق للطلبة الوافدين عن المصريين جاء من باب الاستثمار، وتشجيع حركة تعليم الأجانب فى الجامعات المصرية هو ما يعرف بالسياحة التعليمية، بحيث تكون الجامعات المصرية مستقطبة لجميع الوافدين من أغلب البلاد العربية ولكن ليس بالمجان فكل شىء وله مقابل، فهؤلاء ينتسبون للجامعات ويدفعون بعملة مختلفة، فهناك توجه عام من الدولة بكافة أصعدتها للعمل على توفير كل السبل وإزالة العوائق والحواجز أمام الوافدين لاستكمال دراستهم الجامعية أو الدراسات العليا، فكيف نغلق الباب أمام طلاب يدفعون بالدولار وبالعملة الصعبة؟!.

ومن الناحية النفسية، أشارت «محمود» إلى أن هذا الأمر يشكل ضغطًا نفسيًا على طلابنا المصريين وأولياء أمورهم، ويجعلهم يشعرون بالظلم والقهر النفسى، فهنا العدالة التعليمية يشوبها العوار، وتتحكم فيها أهداف صريحة معلنة وأهداف ضمنية، لافتة إلى أنه من وجهة نظرها ليست معادلة الشهادة واحدة كافية فى معيار قبول الوافدين بالجامعات المصرية، فلا بد من إجراء اختبارات، لمعرفة هل الطالب الوافد مؤهل لدخول كلية الطب أو الهندسة أو غيرها من الكليات؟، فلا يمكن أن يكون معيار القبول هو الدفع بالدولار ومعادلة الشهادة فقط، فلا بد أن يكون من ضمان العدالة الاجتماعية التعليمية لأبناء الوطن قبل الوافدين، فطلابنا لكى يسافروا لاستكمال التعليم فى الخارج يحاولون جاهدين توفير ما يؤهلهم للسفر من مال ولغات وخبرات بخلاف المنح الدراسية طبعا.

ولفتت الخبيرة التربوية، إلى أن السياسة التعليمية فى مصر طبقية عامة مع أولادها، لأنها تفضل الوافد الذى جاء راغبا فى استكمال تعليمه، لأنه يقدر ماليًا على ذلك، فى حين أن طلابنا منهم من يمتلك القدرات والمهارات ولكن ربما لا يحالفه الحظ فى التنسيق أو تمنعه الظروف الاقتصادية من الالتحاق بالكلية التى يرغب فيها، مستطردة: نريد أن نعطى الفرصة لطلابنا أيضًا لكى يبدعوا ويلتحقوا بالكليات، ليس فقط لمعيار التنسيق والقبول، ولكن وفقًا لمعايير كثيرة، فكما قيل سابقًا مكتب التنسيق فى مصرنا أعدل المعايير الظالمة، نريد فرص التمكين وتذليل العقبات أمام أولادنا، فبهم نتقدم، فلا مفر من الاستثمار فى ذلك العنصر البشرى الذى يحتاج لأن يشعر بالعدالة التعليمية مقارنة بوضع الوافدين التعليمى فى بلده.

وأضافت: نحتاج بشدة لمجموعة من الآليات لاختيار وانتقاء الوافدين الراغبين فى استكمال تعليمهم فى مصر، حتى لا يأخذ وافد مكان طالب مصرى فى كلية ما وهو أحق بها منه، لا بد أن تكون هناك اختبارات قبول، ومقابلات شخصية، لانتقاء أفضل العناصر من الوافدين.

عرض وطلب

أما عاصم حجازى، أستاذ علم النفس التربوى بجامعة القاهرة، فأكد أن سبب قبول الطلاب الوافدين فى الكليات المصرية بمجموع درجات أقل من المصريين يتلخص فى أن المنافسة على المقاعد المخصصة للوافدين أقل حدة من المنافسة على المقاعد المخصصة للمصريين، بالإضافة إلى ارتفاع درجات الطلاب المصريين مقارنة بنظرائهم الوافدين.

ولفت «حجازى» إلى عدة ملاحظات منها أن الفارق بين درجات الطلاب الحاصلين على ٩٠٪ مثلًا والحاصلين على ٩٥٪ لا يمكن الجزم بأنه دليل على تفوق الطالب الحاصل على النسبة الأعلى وإمكانية نجاحه فى مجال الطب مثلًا وأن الطالب الحاصل على النسبة الأقل سيفشل، كما أن المتحكم فى اختيار الطلاب المقبولين للدراسة بمجال معين وفقًا لنظام التنسيق المعمول به حاليا هو قانون العرض والطلب فحينما يكون الطلب على المقاعد كبيرًا يكون التنسيق مرتفعًا، وحينما يقل الطلب ينخفض التنسيق، ولا شك فى أن هذا النظام يعمل على تضخيم مشكلات موجودة بالفعل ويصعب حلها كالدروس الخصوصية والغش، كما أنه يسهم فى خلق مشكلات جديدة تتعلق بتدنى مستوى خريجى الجامعات، لذا للقضاء على كل هذه المشكلات ولضمان تحقيق أكبر قدر من تكافؤ الفرص لا بد من تعميم تطبيق اختبارات القدرات لكافة الكليات لضمان قبول طلاب قادرين على التخرج بمستوى علمى ومهنى متميز وأيضًا للقضاء على المشكلات التى يسببها نظام التنسيق التقليدى.

أعدل الظالمين

فى حين أشارت الدكتورة بثينة عبدالرؤوف، الخبيرة التربوية، إلى أن الطلاب الوافدين يتم التعامل معهم بطريقة مختلفة، وشىء طبيعى أن يكون تنسيقهم مختلفًا، حيث يدفعون المصروفات الجامعية بالعملة الأجنبية، وهذا الأمر معترف به فى جميع الدول، لافتة إلى أنه لا يوجد تمييز للأجانب على حساب المواطن، فالمواطن يلتحق بالجامعة الحكومية مجانى، عكس الوافد.

أما عن الآليات المناسبة لتحديد مستوى الطلاب فى تلك الكليات العلمية بعيدًا عن التنسيق، فأشارت «عبدالرؤوف»، إلى أن هناك بعض المتخصصين الذين يطالبون بوجود امتحانات قبول، ولكننى أرفض هذا الأمر، لأنه لو حدثت تلك الاختبارات فى مصر ستكون هناك كارثة، فهناك كم من الفساد والمحسوبية ومن الممكن أن تحدث «بلاوى» وكوارث عند وضع الامتحان وهنا سنفتح بابًا للدروس الخصوصية لكيفية الالتحاق بالطب والهندسة، وبابًا للفساد فى وضع الامتحانات وأبناء العاملين بالجامعات، فالآلية الوحيدة المناسبة حتى ولو لم تكن عادلة بنسبة 100% هى مكتب التنسيق، فهو أعدل الظالمين.

إيجابيات وسلبيات

فى حين يرى الدكتور مصطفى كامل، استشارى تدريب وتطوير دولى وخبير تربوى، أن قرار المجلس الأعلى للجامعات به بعض الإيجابيات، حيث تتراوح الرسوم الدراسية فى العام ما بين 5000 و7000 دولار، مما يزيد من موارد العملة الصعبة التى نحتاج إليها فى هذا الوقت، وانتعاش السوق المصرى من خلال زيادة عملية البيع والشراء، وجذب المستثمرين من عائلات الطلبة الوافدين، والانفتاح وتبادل الثقافات.

ولفت «كامل»، أنه على الجانب الآخر هناك بعض السلبيات منها، زيادة الكثافات الطلابية فى جميع الكليات التى تم تصميمها لاستيعاب أعداد محددة، وإرتفاع معدلات التنسيق للطلبة والطالبات المصريين، وضعف الخدمات والامتيازات المقدمة لهم، خصوصًا مع مقارنة المصروفات الدراسية التى يتم دفعها مع ما يدفعه الوافدون، والكثير من العادات والتقاليد السيئة التى يمارسها الطلبة والطالبات الوافدين، خصوصًا أنهم بدون رقابة كاملة من الوالدين والأهل، والتى من المؤكد لها تأثير سلبى على الطلبة والطالبات المصريين بل وعلى المجتمع المصرى، بالإضافة إلى استفادة الوافدين من الخدمات المدعمة للمصريين 

ولفت إلى أنه يجب على الحكومة، تحديد أعداد الوافدين بكل كلية وقسم، وكتابة تقارير عنهم تشمل التقدم العلمى والدراسى، والنواحى السلوكية بين زملائهم بل وداخل المجتمع، وتنسيق الوافدين يجب أن يكون متقاربًا فى النسب مع تنسيق الطلبة والطالبات المصريين، مع أحقية الطلبة والطالبات المصريين فى الالتحاق بالأقسام التى يحتاج إليها سوق العمل.

 

 

نقلاً عن جريدة الوفد