في عالم السياسة، يمكن أن تؤدي الصراعات على السلطة والخلافات الأيديولوجية في بعض الأحيان إلى مواجهات عنيفة، ويتعبر الاغتيال هو أحد أكثر أشكال العنف السياسي تطرفا، وقد كان موضوعا متكررا على مر التاريخ.
ويتصاعد وينمو هذا النوع من الجرائم مما يثير القلق، و برصد ارقام الجرائم التي ترتكب تحت بند الاغتيال السياسي، ووفقا لمرصد الاغتيال العالمي فتم رصد أكثر من 2700 حالة اغتيال ومحاولة اغتيال
وتشير الإحصائيات إلى أن 60% من عمليات الاغتيال السياسية في القرن العشرين كانت ناجحة، أي أن المغتالين نجحوا في اغتيال الشخصيات التي استهدفوها.
ومن جانبة قال اللواء إيهاب يوسف خبير إدارة المخاطر الأمنية لـ”الوفد” ان محاولات الاغتيالات السياسية أو الاغتيال السياسي بصفة عامة معروف منذ زمن ، مستشهدا ببعض الحالات الأولية التي تمت في بداية الدولة الإسلامية لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وخلافه .
وأوضح “يوسف” أن بعض الأحيان يعتقد مرتكب هذه الجريمة أنه بطل وينفذها لهدف نبيل مثل تحرير الدولة من شخصية سياسية مستبدة أو ترتكب ضرر بالدولة، لذا يعتقد مرتكب الاغتيال السياسي أنه يحافظ على سلامة المجتمع وسلامة الدولة، ومن هنا تصعب فكرة مقاومة الجريمة السياسية أو ارتكاب الجريمة.
وعن معالجة هذه الإشكالية، أوضح خبير إدارة المخاطر الأمنية أن المجتمع الدولي أو القانون الدولي بدأ مؤخرا يتعامل مع الجريمة السياسية بشكل آخر باعتبارها جريمة جنائية ، حيث تم رفض إعطاء حماية لمرتكبيها ، قائلا : ” إنه في وقت من الأوقات، كانت الدول توفر حماية لمرتكبي الجريمة السياسية، وترفض تسليم منفذ الجريمة لدولته طالباه، ولكن تغير ذلك بالوعي ، حيث فهم المواطنين إن عمليات الاغتيال أو محاولة الاغتيال أو التخريب، لا تخدم الوطن ، لذلك لا يمكن وصفها بالجريمة السياسية، وأصبح التعامل مع هذا النوع من الجرائم بوصفها جريمة جنائية شروع في قتل ، حتى وإن كان هدفها سياسي”
وعن مكافحة هذا النوع من الجرائم ، أكد اللواء إيهاب يوسف إن هذا يعتمد على عمليات التأمين في الدوريات المختلفة، موضحا ان تأمين الشخصيات السياسية. يتسع ويتكون مثلا في حالة رئيس جمهورية إلى ١٠ دوائر من التأمين لصعوبة اختراقها ، موضحًا إن ارتكاب جريمة اغتيال لرئيس تحتاج مجرم محترف أو جهة ما لاختراق هذه الدوائر والتي يصعب تنفيذها على يد مواطن عادي .
وأشار خبير إدارة المخاطر الأمنية أن مرتكبي اغتيالات الشخصيات السياسية البارزة، يعتقد صاحبها بأنه يخدم بها دولته، سواء كان هذا الاعتقاد نابع من تطرف ديني أو تطرف سياسي، لافتا إلى هناك بعض الاغتيالات السياسية التي تتعدى العمل الفردي بل يقوم بتنفيذها اجهزة أو تنظيمات معينة ، أو دولة أخرى.
وعلى الجانب الآخر ،أشارت عدد من الآراء والتحليلات السياسية أن الاغتيالات السياسية لديها عواقب بعيدة المدى، حيث يمكن في خلق فوضى بسبب إزالة شخصية رئيسية بشكل مفاجئ مما يشكل فراغا في السلطة، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي والصراع على السلطة، وهذا ما حدث عند اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بينظير بوتو في هجوم انتحاري بالقنابل في روالبندي، باكستان عام 2007، وشكل هذا الحادث نقطة تحول في المشهد السياسي الباكستاني، مما أدى إلى اضطرابات وعدم استقرار واسعة النطاق.
ظل الاغتيال السياسي جزءًا من التاريخ البشري، فعلى سبيل المثال، في القرن الرابع عشر الميلادي، تم اغتيال 6 ملوك في أوروبا. وفي القرن العشرين، شهدنا اغتيال قادة بارزين مثل جون كينيدي وأنور السادات ورينيه موراي.
ويبقي الاغتيال السياسي ظاهرة معقدة تحمل في طياتها الكثير من التناقضات ، من ناحية تعتبر عملاً بطوليًا يقوم به المغتال دفاعًا عن قضيته وخاصة في أوقات الاحتلال والاستعمار، ومن ناحية أخرى تعد جريمة بشعة تستهدف حياة إنسان. والأرقام والإحصائيات تؤكد انتشار هذه الظاهرة على مر التاريخ وتطورها في العصر الحديث. ويظل السؤال: هل سيظل الاغتيال السياسي جزءًا من واقعنا المعاصر أم ستنجح البشرية في التغلب عليه؟
نقلاً عن جريدة الوفد